أسباب صعود وسقوط القوى العظمى

د. كمال عبدالملك

شهد العالم عبر التاريخ صعوداً وانحداراً للقوى العظمى. تقف الإمبراطورية الرومانية كرمز للهيمنة القديمة، بينما تمثل الولايات المتحدة قوة عالمية حديثة. تكشف المقارنة بين هاتين الإمبراطوريتين عن تشابهات واختلافات ملحوظة، تسلط الضوء على مساراتهما ومصائرهما.

تتجلى التشابهات بين الإمبراطورية الرومانية والولايات المتحدة في السيطرة الإقليمية الواسعة، والقوة العسكرية، والتأثير الثقافي البارز. في أوج قوتها كانت الإمبراطورية الرومانية تمتد عبر مناطق شاسعة في أوروبا وآسيا وإفريقيا، وهنا نلحظ تشابهاً كبيراً مع الولايات المتحدة التي تمتد تأثيراتها عبر القارات من خلال وسائل اقتصادية وعسكرية وثقافية.

كلا الكيانين استمد قوته من القدرة العسكرية الفائقة. كانت جيوش الرومان مشهورة بانضباطها وفتوحاتها، تشابهاً كبيراً مع قوة الجيش الأميركي، الذي أثبت نفسه قوة مهيمنة عالمياً، تتدخل في النزاعات وتشكل المشهد الجيوسياسي.

علاوة على ذلك، عانت كلا الإمبراطوريتين من الصراعات الداخلية والتحديات الاجتماعية والسياسية. شهدت الإمبراطورية الرومانية أنواعاً من الفساد والصراعات السياسية والتفاوتات الاقتصادية، على نحو لا يختلف كثيراً عن المشكلات التي تواجه الولايات المتحدة، مثل النزاعات الحزبية وعدم المساواة في توزيع الثروات والتحديات الحاضرة في الحوكمة.

ومع ذلك، عندما نبحث عن أسباب سقوط الإمبراطورية الرومانية نجد أن من بينها ما يمكن أن نسميه الإفراط (excess) - التوسع المفرط والإنفاق الفاحش وتجاوز الحدود في استخدام الموارد، ما أدى إلى ظهور ضعف أفضى إلى انحدار نهائي. وبالمثل، يُجادل البعض بأن الديون الوطنية المتزايدة للولايات المتحدة والاستهلاك الفردي والإنفاق غير المراقب والتناحر السياسي وارتفاع معدلات الجريمة والقتل قد تعكس مسار الإفراط الروماني، ما يشير إلى انحدار محتمل.

عبر تاريخ الإمبراطورية الرومانية تبرز فترة السلام الروماني (باكس روماناPax Romana)، التي تميزت بالاستقرار والازدهار والرخاء تحت حكام مثل أغسطس قيصر. بالمقابل، شهدت الولايات المتحدة، بعد الحرب العالمية الثانية، فترة انتعاش ونمو اقتصادي وتأثير عالمي واسع النطاق، ومع ذلك، واجهت الولايات المتحدة فترات من الضعف والصراعات الداخلية.

ولكن على الرغم من هذه التشابهات، يجب مراعاة الاختلافات بين الإمبراطورية الرومانية والولايات المتحدة، فالإمبراطورية الرومانية كانت في عصر يختلف كثيراً عن العصر الحديث من حيث التكنولوجيا والاقتصادات المترابطة والحوكمة الديمقراطية. بينما نجد أنّ الولايات المتحدة، كجمهورية دستورية، تمتلك آليات للتكيف والتغيير كانت غائبة في روما القديمة.

باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر