مؤتمر الاستيعاب الشرعي للمستجدات العلمية

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

المسلم المرتبط بدينه يفاجأ كل يوم تقريباً بمستجدٍ جديد من القضايا التي لابد أن يكون لله فيها حكم، إذْ «ليست تنزل في أحدٍ من أهل دين الله نازلةٌ إلا وفي كتاب الله الدليلُ على سبيل الهُدى فيها»، كما قال الإمام الشافعي، رحمه الله تعالى، ولابد للمسلم أن يعرف هذا الحكم الشرعي ليكون تعامله مع المستجَد في ضوء دينه الذي يدين به لربه سبحانه، وحياته كلها دائرة بين الوجوب والندب والحظر والكراهة والإباحة، والذي يبين هذه الأحكام الشرعية هم العلماء الذين ورثوا العلم عن رسول الهدى، صلى الله عليه وآله وسلم، وهم المكلَّفون بالبيان، كما أن الناس مكلفون بالسؤال عند عدم العلم.

ولما كانت هذه المستجدات لا تنتظم في عِقد واحد، كان لابد لها من قواعد حاكمة، ومعايير ضابطة، يرجع إليها المفتون أولو العلم المبلِّغون عن الله رسالاته، حاملو لواء الشريعة، والهداة الدالون على الله، وهذه ما سعى إلى بيانها مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، فعقد لها مؤتمراً عالمياً، حشد له المفتين من الدول الإسلامية لوضع وثيقة تضبط إطار المستجدات، حتى تكون معيناً للمفتين في دراسة كل مستجد من قضايا العبادات أو المعاملات أو غيرها مما تحتاج إلى بيان شرعي، فخرج المؤتمر بوثيقة رائعة عنوانها «وثيقة أبوظبي في الاستيعاب الشرعي للمستجدات العلمية»، تضمنت المبادئ الأساسية لدراسة المستجد من إدراك تصوره ومعرفة أبعاد الفتوى فيه بما سمي في الوثيقة بالمحدِّدات الثمانية، وهي 1- المحدد الاصطلاحي والمفاهيمي 2- المحدد الأصولي والواقعي 3- المحدد الفقهي الاجتهادي 4- المحدد الوطني 5- المحدد القانوني 6- المحدد القِيمي والكوني 7- المحدد الفكري 8- المحدد التخصصي.

وتحت كل محدد مفاهيم يجب أن يكون المفتي على علم بها حتى تكون فتواه معبرة عن الحكم الشرعي الذي تدل عليه أدلته من كتاب، أو سنة، أو إجماع، أو قياس، أو استصحاب، أو مصلحة مرسلة، أو عرف، أو سد لذريعة، أو استحسان، كما هو معروف في الأدلة الشرعية التي يستدل بها المجتهدون.

وقد عُني هذا الموضوع ببحث مستفيض قدم فيه المشاركون أبحاثاً علمية عديدة؛ يجب أن تكون حاضرة في ذهن المفتي عند دراسة المستجد، وحظيت بنقاش مستفيض، وفي مقدمتها الورقة التأطيرية التي قدمها العلامة عبدالله بن بيَّه رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، حوت مضامين مهمة لدراسة المستجدات، ومهَّدت الطريق لفهم المراد من المؤتمر، تبعها جلسات بحثية ونقاشية اتسمت بالعمق والفهم، واتفقت على مضمون الوثيقة التي خرج بها المؤتمر الموفق.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر