السخرية: أداة أدبية متعددة الأوجه

د. كمال عبدالملك

كانت السخرية وما تزال تلعب دوراً مهماً في الأدبين العربي والإنجليزي على حد سواء، وهي تضم مجموعة متنوعة من الأشكال والمعاني الدقيقة، تُستخدم في نقل رسائل خفية كثيراً ما تكون متناقضة. في هذا المقال، سنستكشف استخدام السخرية في الأدبين العربي والإنجليزي، ونقدّم أمثلة من الأعمال الكلاسيكية التي تجسد التنوع الغني لتعبيرات السخرية.

استخدم ويليام شكسبير - ببراعة - السخرية اللفظية في العديد من أعماله. في «روميو وجولييت»، تعبر عبارة ميركوشيو الشهيرة: Ask for me tomorrow, and you shall find me a grave man (اسأل عني غداً، وستجدني رجلاً جاداً عابساً)، هذا هو المعنى الظاهر، ولكن المعنى الباطن لعبارة: you shall find me a grave man الذي يتنبّأ بما يوشك على الحدوث هو: «ستجدني رجلاً في قبر». هذا مثال رئيس للسخرية اللفظية. يستخدم ميركوشيو الذي جُرح بشكل مميت ويحتضر، الفكاهة والذكاء لإخفاء الجدية في وضعه، وتعكس كلماته على نحو متناقض بشكل عجيب، ما هو على عكس مصيره المحقّق، ما يجسد جوهر السخرية اللفظية.

وتتجلى الأمثلة على السخرية الدرامية في الأدب العربي في «كليلة ودمنة»، فمثلاً نقرأ عن سلحفاة حكيمة تنصح صديقها الأرنب بالفرار إلى أرض بعيدة قبل أن يتم غزو وطنهما. تكمن السخرية هنا في حكمة السلحفاة، لأنها تعلم أن الأرنب، بوصوله بسرعة، سيتمكن من الهروب، في حين أنها هي بوصفها كائناً بطيئاً ستكون ضحية لا مفر منها للغزاة. وعِلْم القارئ بهذه الحقيقة مقارنة بغفلة الشخصيات تماماً عنها، يخلق مثلاً من السخرية الدرامية.

وفي مسرحية «مكبث» لشكسبير نجد مثالًا كلاسيكياً على السخرية الدرامية عندما يرتكب مكبث - مدفوعاً بالطموح - جريمة قتل الملك دنكان لكي يحظى بالعرش. الجمهور على علم بأفكار مكبث الداخلية ونيّاته، بينما تظل الشخصيات الأخرى في المسرح غير عابئة بخيانته. تخلق هذه السخرية الدرامية توتراً ملموساً وشعوراً مسبقاً، حيث يشاهد الجمهور الأحداث المأساوية تتكشف وهو يعلم بالهلاك القادم.

السخرية سواء الوضعية أو اللفظية أو الدرامية، تضيف عمقاً وتعقيداً في العمل الأدبي. تُظهر الأمثلة من الأدبين العربي والإنجليزي، السخرية أداة فعالة، تدعو القراء والمشاهدين إلى استجواب ما ظهر من الأمور واكتشاف ما خفي من الحقائق، والتفاعل بشكل أعمق مع تقلبات المصائر وتغيّرات المقادير.

باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر