قد جاءكم من الله نور

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

يخاطب الله تعالى أهل الكتاب الذين يتنكرون لبعثة رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، ويخاطب الناس عامة أنه قد أنار لهم طريق الهداية بهذا النبي المبعوث رحمة للعالمين؛ فقال سبحانه: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾ ويعني بالنور محمداً، صلى الله عليه وسلم، الذي أنار الله به الحق، وأظهر به الإسلام، ومحق به الشرك، فهو نور لمن استنار به يبيّن الحق، كما قاله أبو المفسرين ابن جرير الطبري، رحمه الله تعالى.

ومن إنارته الحق تبيينه لليهود كثيراً مما كانوا يخفون من الكتاب، فسمى نبيَّه، عليه الصلاة والسلام، نوراً؛ لأن النور هو الذي يُهتدى به في حَنْدس الظلام، وقد كانت البشرية في ظلام دامس؛ الجاهلية في ظلامها، وأهل الكتاب بما حرفوا وغيّروا وبدلوا، فبعث لهم هذا النور المضيء لإخراجهم من ظلماتهم المتراكم بعضها فوق بعض.

وقد تكرر هذا المعنى في كتاب الله تعالى كثيراً، فتارة يسميه الله تعالى نوراً، وتارة سراجاً منيراً، وتارة نوراً مبيناً، وكل ذلك دليل على عظمة هذا النبي عند ربه سبحانه، وعظمة ما جاء به من هداية للبشرية، وهو كذلك وصفٌ ضمني لجهالتهم التي كانوا عليها، إذ لا يُعرف النور إلا في وسط الظلام الدامس، فيدل الناس على طرق الهداية المنجية من المهالك.

وهذا المجيءُ تعبيرٌ عن ذاته، عليه الصلاة والسلام، وعن رسالته التي يحملها، وكتاب ربه جل شأنه، الذي يتنزل عليه فيقرؤه عليهم ويهديهم به إلى صراط مستقيم، فمن اهتدى به فقد نجا، ومن زاغ عنه ضل ضلالاً مبيناً.

ولاشك في أن ذاته، عليه الصلاة والسلام، كانت ذاتاً نورانية تضيء القلوب المظلمة، فتشع بنور الإيمان، وتضيء الزمان والمكان، كما قال أنس، رضي الله عنه: «لما كان اليوم الذي دخل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيه المدينة أضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء». ويقول جابر بن سمرة: «رأيت النبي، صلى الله عليه وسلم، في ليلة أُضحيان - يعني مضيئة - في حُلَّة حمراء، فجعلتُ أنظر إليه وإلى القمر، فلهو كان أحسن في عيني من القمر».

أما نور هدايته فهو الشريعة التي أتى بها ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، كما قال ربنا جل شأنه: ﴿قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * َرسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾، فقد كانت البشرية في ظلمات بعضها فوق بعض، حيث انقطع وحي السماء، واستبدلت الحنيفية، وتغيرت الديانات السماوية، وكان لابد لشرع الله تعالى أن يعود، وما كان في الكون أحدٌ أجدرَ من هذا النبي المصطفى الذي رعته عين الله في الأصلاب الطاهرة، والأرحام الزكية، حتى أظهره الله تعالى من أبيه عبدالله بن عبد المطلب، وأمه آمنة بنت وهب، في ليلة غراء، شعّ نور ولادته الكون، كما روى العِرباض بن سارية الفزاري، رضي الله تعالى عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «إني عند الله مكتوبٌ بخاتم النبيين، وإن آدم لمنجدِلٌ في طينته، وسأخبركم بأول ذلك: دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى، ورؤيا أمي التي رأت حين وضعتني أنه خرج منها نورٌ أضاءت لها منه قصور الشام».

وهذا النور النبوي تعيش أمته به متمسكة بدينه، مقتفية آثاره، متعلقة بذاته الشريفة، متقربة إلى الله تعالى بمحبته وبالصلاة والسلام عليه، مؤملة شفاعته، ولن تزال على هذه الهداية حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك.

فصلاة الله وسلامه عليك يا رسول الله يوم ولدت، ويوم مت ويوم تبعث حيّاً.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر