يوميات في العمل الخيري (21)

إشباع العقول

الدكتور هشام الزهراني

تتردد كثيراً على ألسنة الناس والمسؤولين «علاج الفقر» أو «القضاء على الفقر» ونحوهما من الجمل الرنانة الجميلة، وفي الواقع لا نلحظ نتائج ملموسة، وذلك لأن العبارة المتداولة هي مثل المحيط الواسع الشاسع الأطراف الذي لا يُرى ساحله، لأن مؤشر الهدف الجميل غير قابل للقياس، فالفقر مفهوم عام جداً ونسبي يختلف من بقعة لأخرى، فالفقر في القرى النائية قلة الطعام والزاد، وعند آخرين ممن قربوا من التمدن نقص التعلم مثلاً، وعند غيرهم عدم امتلاك مركبة، سواء كانت بعجلتين أو ثلاث أو أربع.

ولذلك نرى أن تحديد هدف واضح بما يجعله مقيساً يساعد في الحصول على نتائج واقعية تسهم في معالجة الموقف، فكان لابد من تضييق الهدف، وذلك بالبحث في مسببات الفقر، ومن ثم نسعى لعلاجها، فمن جملة أسباب الفقر مثلاً الإقدام المسرف على الاقتراض من الجهات المقرضة ومن الأفراد من غير دراسة واعية ولا هدف، والذي بات يهدد أسراً كثيرة ويزجها في دوامة يتعسر عليها الخروج منها، بل تلفيه يسدد تلك الالتزامات لحقب وحقب دون أن يحسن من معيشته.

والجهل وقلة العلم عامل آخر لانتشار الفقر، بل لعله أم الفقر – إن صح التعبير - فالتعليم يحصن فكر الإنسان، ويسهم في إخراج جيل متعلم يفكر في كيفية تطوير النفس وتحسين المعيشة وإدارة الشؤون المستقبلية بدلاً من الاتكال على الآخرين أعطوه أو منعوه، أو الانغماس في توفير كماليات دون وعي.

فالسعي في اختيار مثل هذه العوامل ودراستها بشكل مفصل يعين القائمين على العمل الخيري على وضع اليد على الجرح بدلاً من منح مرهم مؤقت يخفف الألم حيناً ثم ما يلبث أن يعود كما كان.

وكل أنواع المساعدات في غير معالجة عوامل الفقر إنما هي مهدئات وقتية مطلوبة، فالناس تمد يد العطاء في توفير المواد الغذائية مثلاً، وهذا لا شك جانب مهم جداً ومطلوب، ولكنه مرهم مؤقت، إذ الجوع يُطرد حتى بالرغيف اليابس، ولكن السعي في توفير مقومات الحصول على الكسب والعمل أولى بالتثقيف سواء بشأن إدارة الأموال لأصحاب الأموال أو التسلح بالعلم للفقراء، وتغذية عقولهم قبل بطونهم.

لذا ندعو الجمعيات الخيرية والمحسنين إلى دعم مجالات التعليم في المدارس والمساجد والجامعات، وفي كل محفل ما أمكن، فتعليم الفقراء من شأنه تغيير منهجية التفكير لديهم.

[عالج الخلل من جذوره وأطفئ النار من جذوتها]

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر