الحلول الذكية في الموارد البشرية

محمد سالم آل علي

لاشك أن علوم وأدبيات الموارد البشرية باتت اليوم تخضع إلى الكثير من التغيرات والتحولات، شأنها شأن كل شيء في هذا الزمان، حيث بدأت رويداً رويداً تتبنى حلولاً ذكية تُبسّط العمليات وتعزز من الأداء؛ وقد تجلى هذا التحول من خلال الاستعانة بأحدث التقنيات والرؤى المستندة إلى البيانات، فالعصر الرقمي يتطلب استجابة سريعة وديناميكية، وعلى المؤسسات العمل منذ اللحظة على توسيع الأفاق وتحفيز الابتكار، والتأهب لخوض الرحلة القادمة نحو تشكيل القوى العاملة المستقبلية، تلك القوى التي ستمثل ترجمة حقيقية للدور الكبير الذي تلعبه إدارات الموارد البشرية في صياغة النجاح المؤسسي.

وبالانتقال إلى التفاصيل يمكن القول بأن الحلول الذكية في الموارد البشرية تشتمل على مجموعة واسعة من التقنيات والأنظمة والنُهج القائمة على البيانات، والتي تمكّن المؤسسات من إدارة القوى العاملة لديها بشكل هادف وفعّال؛ ولعل ما يأتي في مقدمتها هي تلك المرتبطة بآليات التوظيف واكتشاف المواهب، حيث يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي تحليل السير الذاتية، ودراسة بيانات التوظيف التاريخية، ومطابقة متطلبات الوظيفة مع ملفات تعريف المرشحين؛ بينما تتولى روبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي عملية إجراء المقابلات الأولية مع المتقدمين للوظيفة، الأمر الذي يوفر الوقت ويساعد في تحديد المرشحين الأكثر ملاءمة وكفاءة. أما في ما يخص المقابلات الفعلية، فأيضاً هناك الذكاء الاصطناعي الذي يفرض نفسه مشاركاً رئيساً وفعالاً، حيث يمكنه خوض النقاشات العميقة والفلسفية مع المرشحين، مع مراقبة وتحليل تعبيرات وجوههم ونبرات أصواتهم، وغيرها الكثير من العلامات والأنماط الأخرى التي تمكنه من تكوين فكرة عامة حول سماتهم الشخصية ومهاراتهم وقدراتهم على التواصل مع الآخرين.

ولأنها حلول ذكية وليست حلاً واحداً، فإنها تتطرق أيضاً لمسألة تأهيل الموظفين وتدريبهم، حيث توفر المنصات الرقمية إمكانية الوصول إلى كميات هائلة من المواد التدريبية في مكان واحد، بينما تتولى الروبوتات أيضاً الإجابة على الأسئلة الشائعة وتقديم الدعم الفوري لكل متسائل ومستفسر؛ كما ويمكن يمكن للذكاء الاصطناعي إنشاء خطط تدريبية مخصصة ومفصلة على مقاس كل موظف، وذلك حسب دوره الوظيفي ومهاراته وشهاداته العلمية؛ ولا ننسى هنا مبادئ التلعيب على خطى التدريب، والتي تمكن أقسام الموارد البشرية من دمج عناصر الألعاب في برامج التدريب، مثل الاختبارات والتحديات والأسئلة ذات العلامات والدرجات، حيث تستند تلك البرامج في المقام الأول على التحفيز سبيلاً للتطوير، أي أنها تستفيد من الميل البشري الفطري للألعاب وحب المنافسة، وتوظفه لتحقيق النتائج المرجوة ضمن سياق تنظيمي تديره أقسام الموارد البشرية وتضبطه الحوكمة المؤسسية.

وبالإضافة إلى كل ما ذكرناه أعلاه، هناك مسألة الحلول الاستباقية القائمة على التنبؤات، أي مساعدة مديري الموارد البشرية على صناعة القرار السليم وفي الوقت الصحيح؛ حيث تقوم الأدوات الذكية بجمع وتحليل البيانات المتعلقة باحتياجات القوى العاملة المستقبلية والتحديات المحتملة، وكذلك المرتبطة بأداء الموظفين ومعدلات دورانهم الوظيفي وغيرها من المقاييس الرئيسة الأخرى، ومن ثم تتوصل تلك الأدوات إلى تحديد الأنماط والاتجاهات، ما يتيح لأقسام الموارد البشرية معالجة المشكلات بشكل فوري واستباقي، إضافة إلى وضع استراتيجيات القوى العاملة القادرة على التكيف مع المستقبل مهما كانت تغيراته.

وفي الختام لابد لي من أن أشدد وأؤكد على أنني لست منحازاً للذكاء الاصطناعي وداعياً لاتباع إرشاداته وتعليماته في كل آن ومقام، وإنما أنا مثلكم أحاول دوماً استطلاع هذا الوافد الجديد وفهم قدراته، ومن ثم إيجاد الطرق المثلى للاستفادة منه في صالح الأفراد والمؤسسات والمجتمعات بشكل عام؛ ومن هنا فإنني أؤكد لكم مرة أخرى بأنه، وفي خضم هذه الموجة العارمة التي تحثها التكنولوجيا، تظل اللمسة الإنسانية جوهرية ولا غنى عنها، والحلول الذكية التي أتحدث عنها في نطاق الموارد البشرية لا تهدف إلى استبدال الخبرة البشرية أو الاستغناء عنها، وإنما تهدف إلى تعزيزها وتزويدها بالأدوات النموذجية التي تؤهلها للدخول في حقبة جديدة من التميز والتفوق؛ فمسارا الموارد البشرية والحلول الذكية متشابكان ومتداخلان، وتلاحمهما هو وحده من سيمكّن أقسام الموارد البشرية من تجاوز دورها التقليدي، والتطور إلى قوة دافعة تطلق الإمكانات الحقيقية لسائر القوى العاملة في مختلف المنشآت والجهات.

• الحلول الذكية لا تهدف إلى استبدال الخبرة البشرية أو الاستغناء عنها، وإنما تعزيزها وتزويدها بالأدوات النموذجية.

مؤسس «سهيل للحلول الذكية»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر