ومن الكُتبِ ما قتَل

د. كمال عبدالملك

من الملاحظ أن النظرة إلى الكِتاب كرفيق موجودة في الثقافات العربية، وكذلك الغربية:

-- «الكتاب.. نِعْم الجليس.. ونعم الأنيس ساعة الوحدة، ونعم المعرفة ببلاد الغربة» الجاحظ في كتاب الحيوان.

- «خَيرُ جَليسٍ في الزَمانِ كتابُ» المتنبي.

- «ليس ثمة من صديق مثل الكتاب» إرنست همنغواي.

- «الأدب هو فضائي المفضّل. لأنني أجدني لست محرومةً من حقوقي. الكتاب صديق يتحدث معي دون حرج أو إحراج». هيلين كيلر، قصة حياتي (كاتبة أميركية كانت محرومة من نعمة البصر والسمع والنطق).

- «كلما قرأت أكثر، كلما زادت الأشياء التي تعرفها. كلما تعلمت المزيد من الأماكن التي ستذهب إليها». د. سوس.

قد يأخذنا القطار أو الطائرة إلى وجهات بعيدة. لكن الكتاب يمكن أن ينقلنا عبر الزمان والمكان، بسهولة وبوتيرة أسرع بكثير. الكتاب هو أفضل وسيلة لدينا للسياحة في فضاءات الثقافات الأخرى والأزمنة الماضية.

ولكن.. حذاري فليس كل كتاب صديقاً وفياً ولا جليساً نقيّاً.. فقد يكون الكتاب كائناً مخاتلاً وقاتلاً مخادعاً.. دعوني أحذّركم بسرد أمثلة من الأدب العالمي:

مسكين هو أبوعثمان عمرو بن بحر الجاحظ (776- 868م)، فبعد ِعشْرة طويلة مع المخطوطات والأطراس وبين ما ألف وصنّف وقرأ وأقرأ لقي أديب العربية حتفه عندما إنهال عليه رف الكتب.

نقرأ في الروايات البوليسية القديمة عن السموم وهي واحدة من أعظم الطرق في القتل التي يتم فيها استخدام السم، وعندما تلعق الضحية شيئاً مغطى بالسم تموت للتو. تتمثل إحدى الطرق الشائعة في تغطية صفحات الكتاب بالسم، بحيث عندما تلعق الضحية إصبعها لقلب الصفحة، يتم تمرير السم إليها. هذا قديم نوعاً ما، الآن لم يعد الناس يلعقون صفحات كتبهم كثيراً، ولكن يمكن تبريره بالقول إن الصفحات قد تكون ملتصقة ببعضها بعضاً.

ومن المحتمل أن تكون الأمثلة الحديثة مستوحاة من رواية/فيلم The Name of the Rose للايطالي الشهير امبرتو ايكو، على الرغم من أن أحد الأمثلة المبكرة هي من حكايات ألف ليلة وليلة.

شكّ الملك يونان في نيّة طبيبه الحكيم دوبان الذي شفاه من مرض عضال فقد وسوس للملك أهل السوء أن الذي يشفي يمكنه أيضاً أن يقتل. فأمر الملك بقطع رأس الطبيب المسكين؛ فلما تيقن الطبيب أنه سيقتل لا محاله، أعد كتاباً ادعى أنه خلاصة المعالجات الطبية، وذلك بعد أن دهن صفحاته الأولى الفارغة بالسم، وقدمه هدية للملك، قائلاً: «أيها الملك خذْ هذا الكتاب ولا تعملْ به، حتى تقطع رأسي.. ثم افتح الكتاب، ففتحه الملك فوجده ملصوقاً فحطّ إصبعه في فمه وبلّه بريقه وفتح أول ورقة والثانية والثالثة والورق ما ينفتح إلا بجهد، ففتح الملك ست ورقات ونظر فيها فلم يجد كتابة، فقال الملك: أيها الحكيم ما فيه شيء مكتوب، فقال الحكيم قلِّب زيادة على ذلك فقلَّب فيه زيادة فلم يكن إلا قليلاً من الزمان حتى سرى فيه السم لوقته وساعته، فإن الكتاب كان مسموماً، فعند ذلك تزحزح الملك وصاح وقد قال: سرى فيّ السمّ!».

فحذاري، أعزائي القراء وعزيزاتي القارئات: ليس كل ما هو مطبوع خيرَ من نُؤانِسه، وليس كل كتابٍ خيرَ من نُجالِسه.

باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر