قبل أن ينطفئ الضوء

الدكتور علاء جراد

لاحظت اليوم أنني كتبت في هذا العمود أكثر من 480 مقالاً على مدار أكثر من تسع سنوات، وعلى الرغم من تناولي لموضوعات مختلفة لكنني لم أكتب عن الأم، والحال

كهذه دائماً مع الأم، فعلى الرغم من أنها مصدر العطاء والتضحية في كل الثقافات والحضارات وفي مختلف مناطق العالم، ولكننا، الأبناء، نأخذ الموضوع كحق مكتسب، ونتوقع دائماً المزيد من العطاء، وفجأة ينقطع التيار، ويظلم العالم من حولنا، وهنا ننتبه لمصدر الضوء والطاقة والدفء، بل ومصدر الحياة نفسها، نكتشف فجأة معنى تلك الكلمة التي تستحضر العديد من المشاعر والصور، وتثير مشاعر الدفء والراحة والحب.

تقوم الأم بدور لا مثيل له في تشكيل هويتنا وتوجيهنا في مجاهل الحياة التي لا تُعدّ ولا تُحصى، وتقوم بهذا الدور بكل حب وتفانٍ، مع قوة تحمل ونكران للذات لا حدود لها تجعل الأم هي الركيزة التي تقوم عليها الأسر والمجتمعات. إن حب الأم أحد أنقى أشكال الحب الخالي من الأحكام والشروط، فمن اللحظة التي يأخذ فيها الطفل أنفاسه الأولى، تغلفه الأم في شرنقة من الحب تمنحه الراحة والأمان والطمأنينة، يصبح هذا الحب غير المشروط بمثابة المنارة التي ترشدنا خلال تقلبات وموجات الحياة المضطربة، فهي الملاذ الآمن الذي يمكن للمرء دائماً أن يجد فيه العزاء والطمأنينة والسكينة.

تكرس الأم نفسها بلا أنانية لرفاهية أطفالها، ولديها قدرة مذهلة على وضع احتياجاتها الخاصة جانباً وإعطاء الأولوية لأطفالها بكل حب وتفان وإيثار، وقد تتخلى الكثيرات عن طموحهن الشخصي وفرص العمل ووقت الفراغ لتوفير بيئة مستقرة وداعمة لأحبائهن، وتشكل تلك التضحيات والتي غالباً ما تكون غير مرئية وغير معترف بها حجر الأساس لنمو الأسرة وازدهارها. إن قوة الأم تفوق الجبال وكل القوى التي نعرفها، بالإضافة إلى دورها كمربية ومعلمة وراعية، فإن الأم أيضاً مرشدة أخلاقية توجهنا دائماً نحو قيم الخير والحب والعطاء والواجب، فالأم هي الفنان الذي ينحت شخصية الأبناء، ويغرس القيم والأخلاق ودروس الحياة التي تشكلهم حتى يصبحوا مسؤولين.

تقدم الأم أذناً مستمعة، ومصدراً للنصيحة، وكتفاً للبكاء، وتساعد حكمتها على تجاوز تعقيدات الحياة وعلى اتخاذ قرارات مستنيرة، فهل لنا جميعاً أن ندرك دور وأهمية الأم في حياتنا، ولا نهدر هذا الكنز المتجدد من الحب والعطاء والسخاء. لقد أوصانا المولى عز وجل ببر الوالدين ونهى عن عقوقهم، وكان للأم النصيب الأكبر من التوصية بحسن الخلق والبر، وقد تربينا جميعاً على أن الجنة تحت أقدام الأمهات، لكننا ننسى ذلك في خضم الحياة وصراع الماديات. فليتنا نتذكر دائماً الاهتمام بمن كانت سبب وجودنا في هذه الحياة. لقد انطفأ الضوء، وتوفى الله أمي الأسبوع الماضي، وعلى الرغم من يقيني بأن هذه هي نهايتنا جميعاً، وأن ذلك اليوم سيأتي، ولكني لم أكن أبداً مستعداً له، ولاأزال لا أستوعب أني لن أسمع صوتها مرة أخرى، ويعرف ذلك الشعور بالألم والحسرة من فقد عزيزاً لديه خصوصاً أمه. لمن لايزال الضوء لديه، عليه أن يكرس من وقته وجهده وماله لإسعادها قبل فوات الأوان، اللهم اغفر لأمي وأدخلها فسيح جناتك.

• تقوم الأم بدور لا مثيل له في تشكيل هويتنا وتوجيهنا في مجاهل الحياة التي لا تُعدّ ولا تُحصى، وتقوم بهذا الدور بكل حب وتفانٍ، مع قوة تحمل ونكران للذات لا حدود لها.

Garad@alaagarad.com

Alaa_Garad@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر