السفرُ آداب وأحكام

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

حديث الساعة هذه الأيام هو السفر سياحةً ونزهةً من حيث الوجهة، والمتعة، والتكلفة، والرفقة.. وكل هذه الأمور طيبة الذكر، وقد يكون الحديث فيها مكروراً، ولا يمل التكرار إذا كان فيه ذكر المرغوب، كما قال مهيار الديلمي:

أعد ذكر نَعمان لنا إن ذكره* هو المسكُ ما كرره يتضوَّع

لكن الذي يقلُّ ذكره هو ما تكبر فائدته وتعظم عائدته؛ إنها الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم الذي صَبغه الإسلام بالأخلاق والقيم، حتى تكون تصرفاته منبئةً عن دينه وبلده وعروبته، وأول ذلك أن لا تكون له نية سيئة من متعة السفر، بل يصحح النية بالمباح على الأقل من الاستجمام وإراحة البال لاستعادة النشاط الذهني والبدني وتوسعة المدارك في حضارة الأمم وتطورهم وثقافتهم، إن لم تكن له همة عالية بأن يري غيره محاسن الإسلام من خلال تعاملاته، ثم عليه أن يتمثل الأخلاق الإسلامية في القول والفعل والسلوك، من صبر وحلم ووقار وإيثار ونفع الغير وغض الطرف وإكرام الناس ومحبتهم ومواساة المحتاجين والعطف على المساكين.. فهذه الآداب تجعل المسافر يلقى المعاملة بالمثل، ويكون محل تقدير واعتزاز، ويكون ممثلاً لدينه ودولته، فإن هو لم يكن كذلك تكدر عليه سفره، ولعله يقابل بمثل ما فعل، وكما قال زهير:

ومن يغترب يحسب عدواً صديقه* ومن لم يكرِّم نفسه لم يكرمِ.

وتكريم النفس يكون بالتغاضي عن الزلات، وعدم مجاراة المسيئين بسيئاتهم، فذلك يمنح الإنسان راحة بال، وكما قال الإمام الشافعي:

أهينُ لهم نفسي لكي يكرمونها* ولن تُكرم النفس التي لا تهينها.

أما الأحكام وهي الأهم فأن يعلم المسافر الأحكام الشرعية المتعلقة بالسفر من حيث قصر الصلاة وجمعها، وصلاة الجمعة والجماعة، واتجاه القبلة، ويعلم ما يود أكله أهو من الحلال أم الحرام أم المتشابه..

أما أحكام القصر والجمع فتبدأ من مفارقة عمران بلده، فيقصر الصلاة الرباعية وله جمعها تقديماً أو تأخيراً بين مشتركتي الوقت، وهما الظهر والعصر، والمغرب والعشاء؛ فإن كان سائراً وقت الأولى فله أن يؤخرها إلى الثانية، إن علم أنه سيصل والوقت باقٍ، وإن كان نازلاً وقت الأولى جمع إليها الثانية، فإن يعلم أنه سيصل والوقت مازال باقياً، فله أن يؤخر الصلاة الثانية إلى وقتها.

فإذا وصل مقر إقامته وهو يعلم أن إقامته ستطول أكثر من أربعة أيام في تلك المدينة فإنه يكون قد أنهى سفره، وأصبح مقيماً، فعليه أن يصلي كل صلاة في وقتها، كاملة غير مقصورة، كما هو مذهب جماهير أهل العلم، وإن احتاج لجمع التقديم أو التأخير للحاجة كعدم إمكانه أن يصلي كل صلاة في وقتها فله ذلك إن لم يتخذ ذلك عادة له، وعليه أن يصلي الجمعة إن كانت تقام في المدينة أو البلد الذي وصله مقيماً كما سبق، فحرص المسلم على صلاته هو دليل ثباته على دينه؛ لأن الصلاة لا عذر لأحد في تأخيرها عن وقتها فضلاً عن تركها مادام عقله باقياً.

وعليه أن يتحرى الأكل الحلال من اللحوم أو الألبان أو الأجبان أو المشروبات، فإنه لا عذر للمسلم في أكل ما لا يحل شرعاً وهو يجد البديل الحلال من لحوم مذكاة مباحة شرعاً، أو لحوم الأسماك الطيبة أو العصير اللذيذ المشتهى، فليس هناك ضرورة لأن يأكل المسلم المحرم وهو غير مضطر إليه اضطراراً يبيح له أكل الميتة، فإن الحفاظ على الأكل الطيب هو من أهم المهمات في الدين لأن أكل الحرام يفسد القلب ويرشح الجسد لأن يكون طعمة للنار كما قال عليه الصلاة والسلام: «من نبت لحمه من السحت فالنار أولى به» والسحت الحرام، سواء في وصفه كالكسب، أو في أصله كالميتة والخنزير والخمر.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر