عصر الاستدامة.. عصر المعلومات

محمد سالم آل علي

لقد اكتسب مفهوم التنمية المستدامة اهتماماً متزايداً في العقود الأخيرة، وخاصة عند الحديث عن مستقبل مأمول للنوع البشري، في عالم يتناغم فيه النمو الاقتصادي جنباً إلى جنب مع البيئة والتقدم الاجتماعي، أي بشكل متوازن ومستدام، يتغلب فيه الإنسان على كل التحديات المستقبلية مهما حملت معها من تغيرات وصعوبات. ونظراً لأن العالم يواجه اليوم تحديات ملحة ترقى إلى مستوى التهديدات، فقد ظهرت التنمية المستدامة بوصفها إطاراً حاسماً لمعالجة هذه القضايا ومداواتها، وبرز مع ذلك أيضاً، دور الوصول إلى المعلومات كعامل حاسم في تحقيق أهداف تلك التنمية وضمان استدامتها عقداً بعد عقد.

لماذا المعلومات؟

للإجابة عن هذا السؤال لابد من وضع مفهوم الاستدامة ضمن حيزه الزماني، وهو بلاشك المستقبل بكل مقوماته وركائزه. وانطلاقاً من هذه النقطة تحديداً نستطيع فهم الدور الأهم الذي تلعبه إمكانيات الوصول إلى المعلومات، ومدى تأثيرها في صياغة عناوين المستقبل. ولنبدأ بالتعليم باعتباره الأداة الأقوى لبناء المستقبل المستدام، حيث إن الوصول إلى المعلومات وإتاحتها للجميع يسد الفجوة المعرفية ويوسّع فرص التعليم، لأنه حينها سيتمكن العدد الأكبر من الناس من الوصول إلى جميع الموارد التعليمية والثقافية، وبالتالي البقاء على اطلاع مستمر على مبادئ التنمية المستدامة. فالمعرفة تعزز الوعي وتلهم الأفراد لتبني ممارسات صديقة للبيئة، واتخاذ خيارات مسؤولة تؤثر بشكل إيجابي في الكوكب. فعلى سبيل المثال يعد الإنتاج المستدام، وضوابط الاستهلاك، ركائز أساسية للتنمية المستدامة، ومن خلال الوصول إلى معلومات بشأن التأثير البيئي والاجتماعي لتلك الركائز سننجح في تمكين الأفراد، ودفعهم إلى تبني ممارسات أكثر استدامة في ما يتعلق بالشراء والاستهلاك.

ولا يقتصر الأمر هنا على تمكين الأفراد من أجل دفعهم للمشاركة - بنشاط - في عمليات التنمية، بل يمتد ليشمل المجتمع بكل شرائحه ومكوناته، فعندما يتمكن العلماء والباحثون وصناع القرار - مثلاً - من الوصول السهل إلى البيانات والمعلومات، سيتمكنون بلاشك من العمل معاً لتطوير حلول مستدامة. فالمجتمعات المستنيرة تعزز التعاون والابتكار، وإذا ما أضفنا إلى ذلك الشبكات والمنصات الرقمية المفتوحة التي تسمح للخبراء بتجميع معارفهم ومواردهم ومن ثم تبادلها، فإننا سنكون حتماً أمام نهضة شاملة في الإبداع والابتكار.. نهضة ستغطي جميع الجوانب والقضايا، بما في ذلك الحالية منها وتلك التي تتوارى في الأفق البعيد.

نأتي بعد ذلك إلى البيئة التي نتفق جميعاً على اعتبارها الهدف الأسمى للتنمية المستدامة، وهنا يظهر الدور الكبير الذي تلعبه إمكانية الوصول إلى المعلومات في دعم المساعي وتعزيز الجهود. فالبيانات المأخوذة في الوقت الفعلي، مثل الخرائط الرقمية وصور الأقمار الاصطناعية وما يرتبط بذلك من نظم وأدوات، تساعد الحكومات والمنظمات على مراقبة التغيرات البيئية والنقاط الساخنة للتلوث، والكوارث الطبيعية لحظة بعد لحظة، وبالتالي تتيح لها الاستجابة في الوقت المناسب للتهديدات والتداعيات.

خلاصة القول إن إمكانية الوصول إلى المعلومات تنعكس إيجاباً على الفرد والمجتمع، فالفرد أصبح أكثر وعياً وإدراكاً لمهامه ومسؤولياته، وكذلك المجتمعات التي أضحت أكثر نضجاً وقدرة على الإيفاء بالتزاماتها التنموية والمستدامة. فمن خلال الاستفادة من العصر الرقمي وتسخير إمكاناته في سبيل نشر المعرفة وضمان الوصول العادل إلى المعلومات، يمكننا خلق عالم تتعايش فيه البيئة والنمو الاقتصادي بكل وئام وانسجام، وبالتالي سنضمن بلاشك عالماً أكثر إشراقاً وازدهاراً واستدامة أيضاً، وهذا ليس فقط بالنسبة للأجيال القادمة وما بعدها، وإنما لجميع الكائنات الحية التي خلقها الله، سبحانه وتعالى، على هذا الكوكب مهما امتدت بها الأيام وطالت الأزمان.

مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر