التّخبيبُ يهدم البيوت

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

يزداد تخبيبُ النساء وإفسادهن على أزواجهن يوماً بعد يوم، فتعجُّ المحاكم بقضايا الأحوال الأسرية، وتزداد العداوة والبغضاء بين الأنساب والأصهار، ويضيع الأطفال الأبرياء، كلُّ ذلك بكلمة سوءٍ تخرج من سيئي النية والطوية بتنفير المرأة عن زوجها، بزعم أنها تعيش مالكةً نفسها، موفورة المعاش من ذلكم الزوج الذي بذل قصارى جهده لجلبها ليسكن إليها وتسكن إليه، ويسترها وتستره، وينجب منها وتنجب منه، فما إن تسمع تلكم الزوجة المغرورة الكلمة الرنَّانة المفعمة بالأماني الباطلة حتى تُرتب لها مقدماتٍ لتنال التبعات التي سمعتها، وهي تعلم يقيناً أنها ستجد أُذُناً صاغية، حيث يُقدم الزوج قُرباناً لما يسمى بحقوق النساء، وهو في الحقيقة تضحيةٌ بالرجال والنساء وجيل المستقبل من أبناء وبنات الذين يرتضعون الكراهية للأب، ويتدثَّرون بالشتات، ويذوقون مرارة اليتم في حياة آبائهم، كل ذلك كان بسبب كلمة سوء من مُخبِّب أو مخبِّبة، الذين تبرأ منهم المصطفى عليه الصلاة والسلام، كما في الحديث الصحيح: «من خبَّب عبداً على أهله فليس منا، ومن أفسد امرأة على زوجها فليس منا»، وفي رواية «ليس منا من خبَّب امرأة على زوجها، أو عبداً على سيده».

والمعنى أن ذلك ليس من منهج أهل الإسلام الذين يتناصحون ولا يفسدون، ويتآمرون بالمعروف ويتناهون عن المنكر، ويتواصون بالحق ويتواصون بالصبر، ونفيُ الإسلام عمَّن فعل هذا يُعدُّ وعيداً شديداً لمن ألقى السمع وهو شهيد، بل ورد عند الترمذي من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه مرفوعاً: «ملعونٌ من ضارَّ مؤمناً أو مَكر به»، وأيُّ ضررٍ أو مكرٍ أكبرُ من هذا الذي يفسد العلاقة الزوجية، والذي هو من صِنعة إبليس عدو الناس أجمعين، كما صح في الحديث «إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلةً أعظمهم فتنة؛ يجيء أحدهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئاً، ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركتُه حتى فرقت بينه وبين امرأته، فيدنيه منه، ويقول: نِعم أنت، فيلتزمه».

فالمخبِّبون هم أدواته المنفذة لهذا الإثم الكبير، والشر المستطير، والفساد الاجتماعي الصارخ، أفلا يعلم هؤلاء أنهم يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا، الذي سماه الله تعالى بهتاناً، ورتب عليه إثماً مبيناً؟!

إن هذا الفعل الذي يتكاثر يوماً بعد يوم بطريقة مباشرة، أو بوسائل الإعلام المتكاثرة، أو بتسهيل طريق النشوز وتحمل نفقات الإجراءات؛ هو في الحقيقة فسادٌ أخلاقي، وله أثره الاجتماعي الخطير على المرأة أولاً التي غُرر بها، فتكون أول الضحايا، حيث تعيش مطلقة في الغالب تتكفف الدعم الحكومي أو الاجتماعي، بعد أن كانت ملكة بيت، مكفيةً مكسِيَّة، وإن سُترت بعد ذلك بزوج فلن تكون محظيَّة في الغالب كما كانت قبل، ثم على العيال الذين يفقدون حنان الأُبُوة فيعيشون مهضومي الجناح بين أترابهم وزملائهم في المدرسة والفريج، أما الزوج الموتور في أهله وماله؛ فإنه لن يترك من خبَّب زوجه، وضيع عياله، وأفقده ماله، وعكَّر عليه صفو حياته؛ لن يتركه من سهام الليل الصائبات، وإن له رباً قال عن نفسه: «وعزتي لأنصرنَّك ولو بعد حين»، قسمٌ من ذي الجبروت سبحانه، الذي إذا أخذ الظالم لم يفلته، فكيف سيكون حال أولئك الذين ظلموا أنفسهم بتقحُّم مخاطر الظلم الذي مرتعُ مُبتغيه وخيمُ؟!

نعم قد يُلهيهم الأمل، ويغرهم حلم الله، لكنه سبحانه لا يَعْجل بعجلة ابن آدم، فلئن أملى لهم بالاستدراج؛ فإن عذاب الآخرة شديد، فليتق الله أولئك المخببون، وليخشوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً، وليحفظوا حقوق الأخوة الإيمانية والإنسانية والمجتمعية، وليعلموا أن شر الناس من باع دينه بدنيا غيره.

نسأل الله العافية والحماية والصيانة.

• كيف سيكون حال أولئك الذين ظلموا أنفسهم بتقحُّم مخاطر الظلم الذي مرتعُ مُبتغيه وخيمُ.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر