«بي كورب»: نحو اقتصاد مبني على القيم

الدكتور علاء جراد

في عالم سريع التطور، تواجه الشركات ضغوطاً متزايدة لتصبح أكثر من مجرد كيانات ربحية.

وقد ازداد الوعي في العقد الأخير بأهمية الدور الاجتماعي والقيمي للشركات، حيث أصبح هذا الدور ليس مجرد رفاهية، بل شبه إلزام، وإلا لن تكون هناك موارد ولا حياة حقيقية في المستقبل القريب، وقد أدى هذا الوعي المتزايد إلى ظهور جيل جديد من الشركات المعروفة باسم «B-Corp» (بي كورب) أو

«Benefit Corporations»، وهي شركات تسعى إلى تحقيق أهداف اجتماعية وبيئية جنباً إلى جنب مع الأهداف الربحية.

فما مفهوم «B-Corp»، وأهميته؟ وكيف تقوم الشركات بالتحول إلى «بي كورب» من أجل مستقبل أكثر استدامة وشمولية؟

«Benefit Corporations» هي شركات ربحية ملزمة وفقاً لمعايير «بي كورب» بالنظر والبحث في تأثيرها في المجتمع والبيئة، مثل الانبعاثات الناتجة عن أعمالها والمسؤولية تجاه رفاهية موظفيها، على عكس الشركات التقليدية التي تركز فقط على تعظيم أرباحها وأصولها المالية.

تهدف «B-Corps» إلى إحداث تأثير إيجابي في العديد من أصحاب المصلحة (المعنيين)، بما في ذلك الموظفون والعملاء والموردون والمجتمع والبيئة.

وتلتزم «B-Corps» بالمعايير الصارمة للأداء الاجتماعي والبيئي والمساءلة والشفافية، ويتم التحقق من ذلك من قبل منظمة غير ربحية مستقلة تسمى «B-Lab».

وتتبنى «B-Corp» إطاراً مبنياً على ثلاثة أبعاد: العاملين والكوكب والربح، ويتم منح الأولوية للاهتمام بالعاملين من خلال تعزيز بيئة العمل الصحية والدامجة، وتوفير الأجور المعيشية العادلة، ودعم تطوير العاملين وتعلمهم، فالعاملون يساعدون شركاتهم في حماية كوكب الأرض من خلال تنفيذ ممارسات مستدامة، وتقليل انبعاثات الكربون، وتقليل النفايات.

كما تهدف «B-Corps» أيضاً إلى الربح، حيث تضمن الأرباح قدرة الشركات على إحداث تغيير اجتماعي وبيئي دائم.

وتتعامل «B-Corps» مع التحديات العالمية الملحة من خلال الابتكار والتعلم المؤسسي، وتتناول مجموعة من القضايا، مثل التخفيف من حدة الفقر، والتغير المناخي، والحصول على التعليم والرعاية الصحية، والمساواة بين الجنسين.

كما تدمج «B-Corps» الأهداف الاجتماعية والبيئية في عملياتها الأساسية من خلال قياس تأثيرها، والإبلاغ عنه ضمن منظومة عالمية وتشجع B-Corps المساءلة والشفافية، وتلتزم معايير صارمة لممارسات الأعمال المسؤولة.

تقود «B-Corps» الطريق في تحويل الأعمال، وتبرهن على أن الشركات يمكن أن تكون قوة فاعلة من أجل الخير، وأن تلهم الآخرين ليحذوا حذوها من خلال اتباع ممارسات شاملة ومستدامة.

لا تسهم شركات «بي كورب» في الصالح العام فحسب، بل تكتسب أيضاً ميزة تنافسية، حيث يفضل المستهلكون بشكل متزايد الأعمال التي تعطي الأولوية للمسؤولية الاجتماعية والبيئية، كما يدرك المستثمرون القيمة طويلة الأجل في دعم ذلك النوع من الشركات، وتضع الحكومات سياسات لتحفيز الممارسات التجارية المسؤولة، ما يزيد من تسريع نمو حركة «B-Corp»، التي تجسد فكرة أن نجاح الأعمال يجب ألا يقاس فقط من الناحية المالية، لكن أيضاً من خلال التأثير الإيجابي في البيئة والمجتمع، ما يشكل عالماً يعيش فيه الجميع في رخاء.

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر