يوميات في العمل الخيري (14)

المداومة على القليل

الدكتور هشام الزهراني

انقضى شهر رمضان وعشر ذي الحجة، أيام مباركة فاضلة، كانت مملوءة بالحماسة والنشاط في مختلف الطاعات والأعمال الخيرية.

والحياة لم تتوقف بعد هذه الأيام، بل هي مستمرة بحلوها ومُرِّها، فمن مقبل على الزواج أواستقبال مولود يضفي البهجة والسعادة، وهناك في الطرف الآخر من ألمّ به المرض، وثانٍ تعسر في دفع إيجار سكنه، وثالث محتار في أمره عاجز عن حل مشكلة دينه، ورابع وخامس ودواليك.

ولما كانت مواسم الخيرات قد عززت في نفوس الناس حب الخير والعطاء، فمن المهم أن يجد له محلاً في النفوس لا يفارقه، لأنه أحد أعظم مكتسبات مواسم الخيرات، كمن أهديت له جوهرة ثمينة لمناسبة معينة، فلا يعقل أن يقوم بطرحها بعد تلك المناسبة، وإنما سيحافظ عليها دائماً، وهكذا حب عمل الخير والعطاء، نعم مما لاشك فيه أن جذوة العطاء تقِلُّ في غير تلك المواسم، ولكن لا ينبغي لها أن تخبو وتنطفئ، بعض الناس يغلق هذا الكتاب تماماً ولا يفتحه إلا في الموعد نفسه من العام القادم، فكم حرم نفسه الخير والأجر!

والبعض لا ينتبه إلى كتابه، إلا بالتذكير، وهذا حسن، والأفضل في ذلك كله أن يصير العطاء وعمل الخير عادة في النفوس، عملاً بإرشاد النبي، صلى الله عليه وسلم، القائل: «إن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ»، وقالوا: قليل دائم خير من كثير منقطع.

وكان أحد السلف يواظب على الصدقة كل يوم، ولو لم يجد ما يتصدق إلا بصلة، فإنه يخرجها، ويتصدق بها، خشية أن تفوته الصدقة يومه ذاك.

وقد شاهدنا من بعض المتبرعين من يسهم في دفع مبلغ عن سنة كاملة، حتى لا يفوته الأجر عن كل يوم، وكذلك تطلق الجمعيات الخيرية مثل هذه المشاريع التي تستقطع كل يوم درهماً وأكثر، بحسب رغبة المتبرع، بهدف الاستمرار في العطاء، وينال بذلك مرتبة المتصدقين، لأنها وصف من داوم على الصدقة.

وأذكر قصة ذلك الرجل التركي، الذي استمر على جمع الأموال القليلة، فكان إذا اشتهى أن يأكل فاكهة أو طعاماً فيأخذ قيمته ويضعه جانباً، ويقول (كأني أكلت)، وهكذا مع كل طعام اشتهاه، حتى بنى مسجداً من تلك الأموال المدخرة.

فالقليل مع القليل كثير، ولكن لا تبدأ بمبلغ كبير تداوم عليه ثم تعجز عن الاستمرار فيه، بل ضع مبلغاً سهلاً يسيراً في مقدورك الاستمرار عليه، فهو خير من التوقف.

(قليلك عند الله كثير)

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  

تويتر