الطريق إلى الاستدامة يبدأ بالتنمية البشرية

محمد سالم آل علي

تشكل المعرفة العمود الفقري للتنمية، وهي بالتأكيد بوابة العبور الوحيدة إلى المستقبل، ليس فقط لأنها تنعكس على كل جوانب النشاط الإنساني، الاقتصادية والاجتماعية، بل لأنها لعبت أيضاً على مر العصور الدور الحاسم في نهوض الأمم، وصياغة توجهاتها الحالية والمستقبلية، وبما أن تحقيق التناغم الأهم بين الاقتصاد والمجتمع والبيئة لا يتحقق إلا من خلال تنمية مهارات الأفراد وقدراتهم على إدارة الموارد المتاحة بفعالية وكفاءة، فإن التنمية البشرية هي بلا شك الوجه الآخر للاستدامة، وهي العمود الفقري الذي تستند عليه كل الخطط والاستراتيجيات.

لن أخوض كثيراً في التعريفات والمفاهيم، لأن المعنى واضح وجلي، وهو استثمار جميع الطاقات البشرية المتاحة في سبيل رفاهية الأفراد والمجتمعات، هذه الرفاهية التي تتحقق من خلال استخدام الموارد الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية بترشيد وفاعلية، فالتنمية البشرية هي تعزيز للاستدامة من خلال الاستثمار في التعليم والتدريب وبناء القدرات، ما يطور المعرفة، وينمي المهارات، ويخلق القاعدة المناسبة للإسهام في تلك الاستدامة المنشودة.

علاوة على ذلك، تسهم التنمية البشرية في تحقيق الاستدامة الاجتماعية من خلال تعزيز التماسك والمرونة الاجتماعية، فهي تمكن الأفراد من الحصول على كل من التعليم والرعاية الصحية والعمل اللائق، وتؤهلهم بشكل أفضل للمشاركة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي الإسهام الفعلي في التنمية المستدامة لمجتمعاتهم، أي أن الاستدامة الاجتماعية تتحقق عن طريق خلق مجتمعات صحية ومتوازنة ومتكافئة، بما في ذلك تحقيق المساواة بين الجنسين، وتعزيز حقوق المرأة، وتوفير الحماية الاجتماعية والرعاية الصحية والتعليم والعدالة الاجتماعية لجميع أفراد المجتمع، كما أن الاستدامة الاجتماعية تُشجع على الحوار البنّاء والشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتدفع أيضاً باتجاه تبني الابتكار الاجتماعي لتحسين جودة الحياة في المجتمع، أما حمايتها والحفاظ عليها فهي أمور تستند بشكل رئيس على تطوير القدرات، وتعزيز المشاركة المجتمعية والوعي بأهمية المحافظة على الموارد الطبيعة، جنباً إلى جنب مع التراث والثقافة المحلية.

وفي السياق ذاته، تعمل التنمية البشرية على تعزيز الاستدامة الاقتصادية من خلال تحسين مستوى التعليم والتدريب للعمالة في القطاعات الاقتصادية المختلفة، وبالتالي تعزيز كفاءتهم وجودة إنتاجيتهم ليكونوا أكثر استعداداً للمشاركة في نمو وتطور اقتصاداتهم، وهي أيضاً تدعم ريادة الأعمال والإبداع، وتطوير المهارات الريادية لدى الشباب، وتشجعهم على إطلاق مشروعات وأعمال جديدة تعزز النمو الاقتصادي، وتوفر فرص عمل جديدة، وهذا يقود بدوره أيضاً إلى إيجاد أنظمة اقتصادية مستدامة، تتناغم مع البيئة والمجتمع والاقتصاد.

ولابد لي من الإشارة هنا إلى أن مفهوم الترابط ما بين التنمية البشرية والاستدامة يحتاج اليوم إلى تعديل وإعادة تعريف، خصوصاً في ضوء التحديات العالمية والتطورات المتسارعة، فالقضية هنا لا تتمحور حول الأفراد وفرصهم وخياراتهم، وإنما حول ارتباطهم الوثيق ببعضهم بعضاً من خلال العالمين الرقمي والطبيعي؛ وما نحتاجه اليوم هو تحويل تفكيرنا نحو المحيط الذي يتعايش فيه الناس يوماً بعد يوم، وأقصد صحة الإنسان التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بهذا المحيط، وبكل مكوناته، بما في ذلك الأرض والهواء والمياه والمحيطات، وأيضاً الطقس والمناخ، لذلك فإن التعريف الجديد لمفهوم التنمية البشرية يجب أن يدرك أن خيارات الأفراد أو إمكاناتهم تتأثر بشكل رئيس بمدى نجاحنا على الصعيد الجماعي، ما سيتطلب منا تفكيراً أوسع وأشمل يطال العديد من الجوانب والنقاط التي من شأنها تحسين جودة حياة الناس، وتحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكل فرد على حدة، وللمجتمع عموماً، فالتنمية البشرية هي من يجب عليه خدمة الناس، وليس العكس.

يمكن القول ختاماً بأن التنمية البشرية والاستدامة ليست مجرد مفاهيم نظرية، بل هي عمليات حقيقية، يتم تنفيذها بشكل فعال لتحقيق التغيير الإيجابي في البيئة والمجتمع، وحتى تنجح فهي تتطلب توفير كل مستلزمات تنمية المهارات والقدرات البشرية، إلى جانب تأمين البنية التحتية اللازمة، والأهم هو الاستثمار السخي في الابتكارات والتقانات المستدامة.

تشكل المعرفة العمود الفقري للتنمية، وهي بالتأكيد بوابة العبور الوحيدة إلى المستقبل.

مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  

تويتر