الذكاء الاصطناعي يعزز الاستدامة

محمد سالم آل علي

مع تزايد الحديث يومياً عن الأدوار التي يمكن أن يلعبها الذكاء الاصطناعي في مختلف مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية، تبادرت إلى ذهني مجموعة من التساؤلات حول إمكانية الربط ما بين الذكاء الاصطناعي والاستدامة، لاسيما بعد اعتماد حكومة دولة الإمارات عام 2023 ليكون عام الاستدامة، وما ترافق مع ذلك من طفرات كبيرة بدأ يشهدها الذكاء الاصطناعي واستخداماته المختلفة في العديد من دول العالم.

لا شك بأن الاستدامة تشكل أحد أهم التحديات التي تواجه دول العالم في الوقت الراهن، حيث تتطلع المجتمعات إلى تلبية احتياجاتها الحالية دون المساس بقدرتها على تلبية احتياجات الأجيال المستقبلية، وهذا التوازن المعقد يحتاج إلى تضافر الجهود وتقارب الرؤى حول كيفية استخدام الابتكارات المختلفة، بما فيها الذكاء الاصطناعي، وتسخيرها لتحقيق الاستدامة وتحسين جودة حياة الناس، إضافة إلى ضمان استمرارية هذه الاستراتيجيات في المستقبل؛ فكوكبنا الذي نعيش عليه بدأ يئن فعلاً تحت وطأة التلوث البيئي واستنزاف الموارد الطبيعية. والتهديد الأكبر لا يأتيه من الفضاء والنجوم، وإنما من غياب الوعي المجتمعي بأهمية الاستدامة لدى العديد من الناس، وما يترتب على ذلك من تأثيرات على جميع نواحي الحياة الحالية والمستقبلية.

ولكن ماذا لو كانت لدينا الحلول اللازمة التي تربط ما بين الاستدامة والذكاء الاصطناعي وتضع حداً لمشكلة التلوث؟

بعيداً عن المصطلحات المعقدة، دعونا نبحر في رحلة خيالية إلى مدينة صغيرة في مكان ما تعاني مشكلات كثيرة، بينما يحاول سكانها جاهدين العيش بصحة جيدة ضمن هذه الظروف الصعبة؛ فالهواء ملوث والمياه كذلك، ومردّ ذلك إلى غياب الوعي المجتمعي حول أهمية ترشيد استخدام الموارد الطبيعية، ما أدى في نهاية الأمر إلى تزايد المعاناة وظهور الأمراض المزمنة.

ما هو الحل برأيكم؟ بالطبع الحل واضح وبسيط، وهو يتمثل في الاستعانة بالذكاء الاصطناعي من أجل تحليل بيانات التلوث، وتحديد مصادره، ومن ثم تحديد الإجراءات الصحية التي من شأنها تحسين جودة الهواء والمياه.

أتابع الإبحار معكم في هذا السيناريو الخيالي، أي بعد تطبيق تلك الإجراءات بالفعل، لأرى أن التلوث بدأ فعلاً بالانخفاض، وصحة السكان هي في تحسّن مستمر، أما إنتاجية النشاطات والصناعات المحلية فقد تزايدت بشكل ملحوظ، وليس هذا كل شيء، فالذكاء الاصطناعي سيتابع عمله في تلك المدينة وسيقوم أيضاً بتحديد بيانات استهلاك الطاقة والإجراءات التي يمكن اتخاذها لتحسين الكفاءة وتقليل الهدر، وسيعمل أيضاً على تحسين جودة ومردود الإنتاج الزراعي من خلال الاستفادة من البيانات المتعلقة بأنماط الطقس، وجودة التربة، وما يرتبط بذلك من كميات الماء والأسمدة والإضاءة، كما أن الذكاء الاصطناعي سيلعب دوراً مهماً في مراقبة التنوع الحيوي، وحماية الحيوانات والنباتات المهددة بالانقراض، وكذلك تحليل بيانات النفايات، وتقليل استخدام المواد الكيميائية الضارة، إضافة إلى تحديد أفضل الطرق لإعادة تدويرها وتحويلها إلى مواد قابلة لإعادة الاستخدام؛ مع عدم إغفال قدرة الذكاء الاصطناعي على دراسة وتحليل المناطق المعرضة للكوارث الطبيعية، وبالتالي اتخاذ تدابير استباقية للتخفيف من تأثيرها.

من المؤكد أن مثل هذه القصص والأمثلة الصغيرة ليست سوى جزء بسيط من النتائج الكبيرة التي يمكن تحقيقها باستخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الاستدامة، إلى أن يصبح مفتاحاً لتحقيق الهدف العالمي الأسمى في تحقيق التنمية المستدامة والرخاء المجتمعي؛ ولكن علينا أن ندرك أن الذكاء الاصطناعي ليس وحده الحل الوحيد لمشكلات الاستدامة، وإنما الحلول الحقيقية تأتي من خلال تضافر الجهود المشتركة بين مختلف المجتمعات والحكومات والمؤسسات، وكذلك الأفراد في سبيل اختراع طرق جديدة ومبتكرة وخلاقة، وتبني الأفكار التي تجمع بين الاستدامة والتكنولوجيا بشكل شامل وعلى مختلف الصعد.

خلاصة القول أن الذكاء الاصطناعي هو أحد أهم الأدوات التي يمكن استخدامها لتحسين الكفاءة وتقليل التأثير البيئي للأنشطة الإنسانية في جميع المجالات، وذلك شريطة استخدامه بشكل متوازن دون التأثير على الأهداف الاجتماعية والاقتصادية المرجوة. وعلينا أن نتذكر دائماً أن تعزيز الاستدامة مسؤولية جماعية، لأن الهدف واحد وكذلك المصير، وهو حماية كوكبنا بكل حاضره ومستقبله.

مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر