{وعلى الله فتوكلوا}

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

قضايا الإيمان كثيرة يتعين على المؤمن أن يتفقه فيها، وأن تكون جزءاً من حياته الإيمانية حتى يتحقق بالإيمان، أو كماله، ومن قضاياه التوكل على الله تعالى، الذي يعني الثقةَ بالله تعالى، والاعتماد عليه في الأمور كلها، فلا يركن المرء إلى شيء غير ربه سبحانه وتعالى، مع الأخذ بالأسباب التي أُمرنا بها من غير اعتقاد بأن لها تأثيراً في الأخذ والعطاء، والضر والنفع، وكما قال بعضهم في تعريف التوكل بأنه «الثقة بما في يد اللَّه تعالى واليأس عما في أيدي النَّاس».

ولعظيم منزلة التوكل في الإيمان، وما له من أثر في رضا الرحمن، نجد ربنا سبحانه يخاطب نبيه وحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم آمراً له بحسن التوكل عليه، فيقول سبحانه: {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}، {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}، في آيات كثيرة تأمره صلى الله عليه وسلم بهذا المقام الإيماني، وهو في الذروة منه، كما شهدت بذلك مواقفه الإيمانية في جميع أحواله صلى الله عليه وسلم، ومثل هذه الأوامر الإلهية بهذا المقام العظيم هي أوامر لأمته من بعده، الذين ليسوا مثل نبيهم في هذا المقام قطعاً، مهما كان لأحدهم نصيب فيه، ولذلك كان الأمر به لهم مقترناً بوصف الإيمان إن كانوا من أهله، فيخاطبنا معاشر المؤمنين بقوله سبحانه: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}، {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، أي أن التوكل من مقتضيات الإيمان، فمن كان مؤمناً بربه فليحسن توكله عليه، وليكتف به أن يتولى أمره، فهو حسبه وكافيه {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}، وليقل دائماً «حسبنا الله ونعم الوكيل»، كما قالها إبراهيم عليه السلام حينما أُلقي في النار، فانقلبت عليه برداً وسلاماً، وكما قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الغار مع صاحبه الصديق رضي الله عنه، «ثاني اثنين»، ولو نظر أحدٌ من أعدائهما إلى شِراك نعله لرآهما، فانقلب الأعداء خائبين، وكما قالها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم أن قال لهم الناس: {إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً}، فلما قالوها {انقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء}.

فهذا هو حال المؤمن الحق الذي يثق بالله خالقاً، ورازقاً، ومدبراً، وقادراً، وبيده كل شيء، وأنه الفعَّال لما يريد، فإذا كان المؤمن بهذه الحال فإنه لا يعدم الرشاد والسداد، وتحقيق المراد على مراد الله تعالى الذي يقدر له الخير والرشاد، وهو فوق ذلك يكون في محل الرضا من رب العباد، ويجزيه الجزاء الأوفى يوم الميعاد، ففي الحديث الصحيح، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: «يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب، هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون».

فما أحوجنا في حياتنا الإيمانية والعملية، لاسيما في هذه الأزمان المنغِّصة والمعقدة، أن نحسن توكلنا على ربنا سبحانه، ونردد «حسبنا الله ونعم الوكيل» في كل شؤوننا، لنجد الله تعالى معنا مؤيداً وناصراً وكافياً ومعيناً.

وحسنُ التوكل على الله تعالى لا يعني ترك الأسباب، بل من مقتضيات التوكل الأخذ بها، كما أرشد لذلك نبينا عليه الصلاة والسلام بقوله: «اعقِلها وتوكل»، وقوله: «لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقتم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً»، أي أنها تأخذ بالأسباب غُدواً بحثاً عن الرزق، فيهيئ الله تعالى لها ذلك، فترجع ممتلئة البطون، فإنَّ ترك الأخذ بالأسباب يعد تواكلاً، لا توكُّلاً.

اللهم ارزقنا كمال التوكل عليك، وحسن الإنابة إليك.

«ما أحوجنا في حياتنا الإيمانية والعملية، لاسيما في هذه الأزمان المنغِّصة والمعقدة، أن نحسن توكلنا على ربنا سبحانه».

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

تويتر