معضلة الأداء

محمد سالم آل علي

يعتمد النجاح في عالم الأعمال بشكل رئيس على مدى القدرة على قياس التقدم ومستويات الأداء، ومن هنا، فإن مؤشرات الأداء الرئيسة، أو ما يعرف بـ(KPIs)، تأتي كأداة حاسمة تستعين بها الشركات الكبرى والصغرى، وكذلك الأفراد من ذوي المهارات الاحترافية العليا، في تحليل أدائهم في المقام الأول، ومن ثم تتبع تقدمهم وتحديد مجالات التحسين والتطوير، فتلك المؤشرات ليست مجرد أرقام متناثرة هنا وهناك على صفحات التقارير والدراسات، وإنما هي منهج عمل متكامل، وخطة استراتيجية تدفع كل من يسعى لتحقيق النجاح.

وما لاشك فيه، هو أن مؤشرات الأداء الرئيسة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنوع النشاط الاقتصادي، إضافة إلى حجم المؤسسة وأهدافها الموضوعة، لكنها وفي الوقت

نفسه تشترك بمقومات وأسس جوهرية، يمكن اعتمادها مُنطلقاً يَسترشد به من أراد المباشرة والتطبيق، ولعل أول الخطوات هي وضع المؤشرات نفسها، أي ما يُراد قياسه وتحليله، كالإيرادات مثلاً، وهي المؤشر الرئيس الذي يعبر عن الصحة المالية للمؤسسة وإمكانات نموها، وهامش الربح أيضاً، لأنه المعيار الرئيس لمدى جدوى وكفاءة المؤسسة، وهناك أيضاً المؤشرات التي تساعد على فهم القدرات التنافسية للمؤسسة، كالتي تتعلق بنمو المبيعات والحصة السوقية، وما يرتبط بها من مؤشرات تقيس عوائد الاستثمار (ROI)، ولا ننسى هنا المؤشرات التي تقيس رضا الزبائن والمتعاملين، أي مدى رضا الناس عن منتجات المؤسسة أو خدماتها.

نأتي إلى المؤشرات التي تقيس أداء الموظفين ومستوياتهم الإنتاجية، أي مدى قدرتهم على تحقيق أهداف العمل وإتمام المهام المطلوبة، مثل قدرتهم على الإنجاز، وحجم الوقت الذي يستغرقونه لإكمال مهمة معينة، كل ذلك جنباً إلى جنب مع عدد الأخطاء أو العيوب التي يتسببون فيها، ومدى اتساقهم عموماً مع معايير الجودة الخاصة بالمؤسسة، ومن المهم أيضاً في هذا السياق هو تلك المؤشرات التي تقيس مدى رضا الموظفين بشكل عام، وذلك لأنها تصب في مصلحة زيادة الإنتاجية، وتخفيض معدل دوران العمالة، وبالتالي تعزيز الأداء العام.

بعد الانتهاء من وضع المؤشرات، تأتي الخطوات العملية التي ستقود إلى النتائج المطلوبة، وهي تحديد الأهداف المرجوة لكل مؤشر من المؤشرات، والتي يجب أن تكون محددة وقابلة للقياس ومتوافقة مع الاستراتيجيات العامة للمؤسسة، تليها عملية جمع البيانات وتحليلها من أجل تتبع مدى الالتزام بخط السير نحو الأهداف الموضوعة، أما الخطوة الثالثة فهي وضع النتائج وعرضها على صُناع القرار داخل المؤسسة، أي المديرون التنفيذيون وغيرهم من كبار الموظفين المعنيين بوضع الاستراتيجيات وتحقيق الرؤى.

قد يبدو كل ما ذكر أعلاه مسألة سهلة التطبيق ومضمونة النتائج، لكنها في الواقع معضلة حقيقية تؤرق عالم الأعمال، خاصة عندما لا يتوافر في المؤسسات قسم متخصص بإجراء الأبحاث والدراسات، أو حين تفشل تلك المؤسسات في الاستعانة بجهة احترافية تتولى تحقيق المطلوب، لأن التحديات جمّة، وترتبط بكل مرحلة من مراحل القياس، فمنها الفشل في تحديد مؤشرات الأداء الصحيحة، لأن ذلك سيفضي إلى رؤى منقوصة وغير دقيقة حول أداء المؤسسة، ومنها مسألة نقص البيانات، وهي التي تعد العماد الرئيس الذي تستند إليه المؤشرات.

وهناك أيضاً قضية التركيز المفرط على أحد المؤشرات دون سواه، خاصة تلك المؤشرات السهلة القياس، ما سيؤدي إلى إهمال المؤشرات الأصعب التي غالباً ما تكون الأكثر وزناً وأهمية، وأيضاً هناك مسألة تحديد الأهداف غير الواقعية ومستحيلة التحقق، والتي نراها أحياناً في بعض المؤسسات التي يقودها «المُديرون الخارقون»، وهي ستؤدي حتماً إلى إحباط الموظفين وتقويض المكاسب، وبالتالي إضاعة فرص النمو على المدى الطويل.

في النهاية أقول إن نجاح أي عمل لا يرتبط بالنظريات بقدر ارتباطه بجودة التطبيق، والمؤسسات لن تنجح في قياس أدائها ما لم تدرك أن مؤشرات الأداء الرئيسة ليست مجرد أداة عمل تستخدمها حيناً وتتركها في معظم الأحيان، وإنما هي طريقة حياة مؤسسية، تُبرز الإمكانات الحقيقية لعالم الأعمال، وتوجهه نحو تحقيق أهدافه وجميع تطلعاته.

 

مؤسس سهيل للحلول الذكية

 

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

تويتر