زاوية

المِلح في الفولكلور والأساطير

د. كمال عبدالملك

أقدم هنا للقراء والقارئات مقالي الثاني عن المِلح ورمزيته في الثقافات المختلفة، وذلك بعد أن تلقيت قدراً من المدح والتقريظ لمقالي الأول.

لطالما كان للملح أهمية لا يمكن إنكارها في الأديان والثقافات في جميع أنحاء العالم، فالقصص والأساطير المتعلقة بالملح كثيرة جداً، أذكر هنا القليل منها.

■ في طقوس اليونان القديمة كان الملح يُرشّ – مع الدقيق – على جميع الأضاحي.

■ وفقاً للفولكلور الصيني، تم اكتشاف الملح في البقعة التي طار منها الطائر الأسطوري المسمى بالفينيق. تحكي القصة عن فلاح اعتقد عند مشاهدته للحدث أن نقطة صعود طائر الفينيق لابد وأنّها تخفي كنزاً. حفر للبحث عن الكنز المذكور ولم يجد شيئاً، فقط تربة بيضاء أهداها للإمبراطور، فأثار ذلك غضب الإمبراطور على الفلاح لأنه منحه مجرد تربة. اكتشف الإمبراطور لاحقاً القيمة الحقيقية لهذه التربة البيضاء بعد أن سقطت، عن طريق الخطأ، حبات منها في حسائه. شعر الإمبراطور بالخزي الشديد من فعلته، ولكي يريح ضميره أعطى عائلة الفلاح الراحل السيطرة على الأراضي المنتجة للملح.

■ وفقاً للأساطير الإسكندنافية، وُلدت الآلهة من كتلة جليدية ذات طبيعة مالحة، وهي عملية استغرقت حوالي أربعة أيام لتكتمل.

■ في ديانة بلاد ما بين النهرين، تم إنشاء قوس السماء والأرض من جثة تيامات إلهة المحيط المالح.

■ عُرف عن الحيثيين أنهم يبجّلون إله الملح حتى بصنع تمثال له. كذلك استخدم الحيثيون الملح في لعناتهم، فعلى سبيل المثال، كان على كل جندي جديد أن يقسم بالملح (الرمز المقدَّس) معلناً ولاءه لجيشه ولاعناً أي خيانة محتملة من ضعاف النفوس (يحيلنا ذلك إلى الشتيمة التي يستخدمها أهل الريف في مصر: يا خاين العيش والملح).

■ في طقوس الشنتو، وهي ديانة يابانية الأصل، يستخدم الملح لتنقية حلقة المباراة قبل اندلاع القتال، وذلك في المقام الأول لتبديد الأرواح الحاقدة. يضع الشنتويون أيضاً أوعية الملح في المؤسسات لتبديد الأرواح الشريرة وجذب العملاء.

■ يستخدم الملح في تدفئة المنزل الهندوسي وحفلات الزفاف.

■ في البوذية، يستخدم الملح لتبديد الأرواح الشريرة، وبالتالي يُعتقد أن رشة منه على الكتف الأيسر بعد مغادرة الجنازة تمنع الأرواح الشريرة من دخول منازل المعزين.

■ استخدم اليونانيون القدماء الملح للاحتفال بالقمر الجديد حيث يُلقى به في النار حتى يتصاعد.

■ في كل من الثقافتين الإفريقية والغربية، كان الملح من أهم سلع التجارة. استبدل الأفارقة الملح بالذهب في أثناء تجارة المقايضة، وفي وقت ما صكّوا عملات معدنية مصنوعة من الملح الصخري. أمّا في الطرف الآخر من العالم، فإننا نجد أنّ الرومان استخدموا الملح لدفع رواتب جنودهم، ويلاحظ أنّ الكلمة الإنجليزية salary والتي تعني راتب مشتّقة من الكلمة اللاتينية salarium والتي تعني الملح (في الأصل أموال تُعطى للجنود لشراء الملح).

■ الاستخدام الأكثر شيوعاً للملح الذي يتجاوز العصور القديمة إلى العصر الحديث هو إضافته إلى الطعام كتوابل. وبصرف النظر عن إضافة قيمة الطعم إلى ما نأكله، فإن تناول الملح يغذّي أجسامنا باليود والذي بدوره يحمينا من أمراض نقص اليود مثل تضخم الغدة الدرقية. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أنه يجب أخذ الملح مع الصوديوم بحذر لأن الكثير من الصوديوم يسبّب أمراض القلب والأوعية الدموية.

من المفارقة بمكان أنّ الملح، تاريخياً، كان سلعة باهظة الثمن إلا أنه أصبح في العصر الحديث مادة ميسورة الكلفة، رخيصة الثمن. مادة نضيفها إلى طعامنا ونرمز بها إلى ما تمتّن من وشائج العلاقة وما توثق من عرى الصداقة.

 باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر