«الروبوت» حاضر عن المتهم

محمد سالم آل علي

تعد تقنيات الذكاء الاصطناعي الخاصة بأداء المهام القانونية منهجاً ثورياً في مجال القانون، لأنها ستغير جميع الأساليب والنُظم التقليدية التي ألِفها الناس منذ عقود وقرون مضت، كما أنها تحمل في ثناياها حلولاً جذرية لكل المسائل الجدلية التي اكتنفت هذا القطاع؛ فمن حيث الكفاءة يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي أتمتة العديد من المهام الروتينية التي يتعين على المحامين القيام بها، ما سيتيح لهم إمكانية التركيز على المهام الاستراتيجية الأكثر تعقيداً، كما أنها تتميز بأدائها فائق السرعة وشديد الدقة مهما كبر حجم البيانات المطلوب معالجتها، ويمكنها أيضاً توظيف خواص التحليل العميق لتحديد الأنماط والتنبؤ بالنتائج في القضايا القانونية، الأمر الذي سيساعد كلاً من المحامين والقضاة على اتخاذ قرارات أكثر سلامة وسداداً.

ولعل ما يعطيها الأفضلية في هذا السياق هو شفافيتها العالية التي ستعمل حتماً على زيادة ثقة الناس بالنظام القانوني، إضافة إلى إمكانية توفير خدمتها لجميع الناس وفي أي وقت وعبر المنصات الإلكترونية المتخصصة وذات الشأن؛ والأهم هو كلفتها المنخفضة جداً مقارنة بالمحامين البشريين، ما سيجعل منها مقصداً لكل من لا يستطيع تحمل تكاليف الخدمات القانونية التقليدية.

ومما تجدر الإشارة إليه هنا هو أن مستقبل الذكاء الاصطناعي في مجال القانون لا يقتصر فقط على محامي الذكاء الاصطناعي أو المساعدين الافتراضيين الذين يستندون إلى مجموعة هائلة من الخوارزميات البرمجية أثناء معالجتهم للمسائل القانونية، وإنما الأمر يتعدى ذلك بكثير ليشتمل على أتمتة المستندات وصياغة العقود، وإجراء البحوث القانونية الخاصة بقضايا معينة، إلى جانب تحليل القضايا القانونية السابقة والتنبؤ بالنتائج المحتملة للقضايا المستقبلية، استناداً إلى معطياتها، كما يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تسوية المنازعات القانونية عبر الإنترنت، ما سيساعد على تقليل الوقت وتخفيض الكلفة، ومثاله نظام التقاضي الذاتي السريع (القاضي الذكي)، الذي يطبقه مركز فض المنازعات الإيجارية في دبي.

وبالإضافة إلى كل ما سبق، هنا مسألة رائدة تتعلق بالقاضي «الروبوت»، وهو برنامج حاسوب يستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لمحاكاة قدرات صُنع القرار التي تميز القاضي البشري؛ وأقول رائدة لأن المسألة مازالت في مراحلها الأولى من التطوير، وهي تحتاج إلى الكثير من العمل والجهود، لأن مسائل مثل التحيز والخطأ في اتخاذ القرارات، أو ما يتعلق بأخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي، هي مسائل ذات عواقب وخيمة على حياة الناس، وتحتاج للكثير من الروية والتأني.

وبشكل عام يمكننا القول إن تقنيات الذكاء الاصطناعي القانونية بدأت تدريجياً بالحلول مكان البشر في كل حدب وصوب، ففي الولايات المتحدة الأمي

ركية تُستخدم أدوات التحليل التنبؤي في تقييم مخاطر ارتكاب الجرائم إضافة إلى التبليغات الخاصة بشؤون الكفالة وإصدار الأحكام، وفي إستونيا يتم استخدام قاضٍ اصطناعي لمساعدة القضاة البشريين في المهام الإدارية، مثل تحديد التناقضات في المستندات القانونية، وفي كندا وأستراليا تُستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي للمساعدة في البحث القانوني ومراجعة الوثائق، وكذلك الأمر في جنوب إفريقيا، حيث يتم استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي في تقديم المشورة القانونية للمواطنين الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف محامٍ، أما في المملكة المتحدة فهناك نظام القضايا الرقمية (DCS)، وهو عبارة عن منصة عبر الإنترنت تسمح بإدارة ومعالجة القضايا داخل نظام العدالة الجنائية.

والصين أيضاً لها باع طويل في هذا المجال، وذلك من خلال المحكمة الذكية التي تعود بوادرها إلى عام 2017، حيث نجحت تلك المحكمة التي تجمع ما بين تقنيات الذكاء الاصطناعي والنظام القانوني في تحسين كفاءة وشفافية إجراءات المحاكم، إلى أن أصبحت اليوم منتشرة في جميع أنحاء الصين.

لاشك أن الأمر لا يخلو من تحديات أخلاقية وأخرى تتعلق بالخصوصية، لكن جميع تلك المخاوف لابد ستتكفل بها الأيام وستعالجها بطريقة شفافة واستباقية، وقريب جداً هو اليوم الذي سيترافع فيه محامٍ اصطناعي أمام قاضٍ اصطناعي، وبين جدران محكمة افتراضية لا هدف لها سوى تحقيق العدالة للجميع.

مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر