يوميات في العمل الخيري (5)

كرة الثلج

الدكتور هشام الزهراني

«أعباء الحياة كثيرة!»، عبارة نسمعها من أناس كثر، وهذه الالتزامات صارت عندهم مثل كرة الثلج، تتدحرج فتكبر وتكبر بمرور الوقت.

وعدد منهم يتقدم إلى الجمعيات الخيرية للحصول على مساعدات مادية تخفف عنهم أعباء الحياة الثقيلة، من مأكل ومشرب وعلاج ودراسة وديون وغير ذلك.

ولكنني على يقين تام أن أعداد الطلبات التي تستقبلها الجمعيات يمكن أن تتقلص بنسبة 35%، إذا قام رب الأسرة بتنظيم مصروفات حياته اليومية، وأتقن مهارات إدارة الأموال وترشيد النفقات، كما يتقن حالياً مهارة الصرف، وجوهر تلك المهارة الأولى يكمن في إتقان مهارة التفريق بين الاحتياجات والرغبات، وعدم الخلط بينهما، وبعد ذلك تأتي مهارة ضبط النفس.

إذ إن عدم التخطيط السليم، أو نقص هذه المهارة لدى كثيرين ممن أمورهم المادية جيدة، أدى بهم إلى عدم ضبط النفس تجاه ما يشاهده من إعلانات على وسائل التواصل المختلفة، حتى اختلط عنده الحابل بالنابل، ف

يرى بعضهم (بل يجزم)، أن السفر كل سنة من الحاجات، والتردد المستمر على المطاعم ضرورة لا محيد عنها، وتغيير السيارة الصالحة كل سنتين أو أربع بأخرى جديدة من متطلبات استمرار الحياة، وإلا اضطربت الحياة كاضطراب السمكة خارج الماء، بل شهدت حادثة لشخص رفعت عليه مطالبات مالية، كان سببها اقتناء عدد من الهواتف الشخصية.

وبقليل من التأمل والفكر نجد أن ما سبق إنما هو خيالات لا تتجاوز عقل المرء، وهو بإرادته يجعلها واقعاً لابد منه.

ومثل هذه الأوهام التي تخالج النفوس تورثها هماً وغماً ملازمَين رب الأسرة، وينعكسان على الأسرة كلها.

فلننتبه من الوقوع في هذا المطب الزلق، ولنكن صادقين مع أنفسنا في تقدير إمكانات كل فرد ومتطلباته الحياتية، فلا يوسع دائرة الرغبات، فيدخل فيها كل صغير وكبير، وجليل وحقير، وذلك حتى يحقق حياة متزنة، ويفسح المجال في الجمعيات الخيرية لمن هم فعلاً بحاجة إلى دعم مادي، وأعني بهم أولئك الذي عكسوا الأمر لشدة حاجتهم وفقرهم، وتعارضت عندهم هذه الاحتياجات، فأدرجوا بعض الحاجات المتفق عليها في بند الرغبات، تخلصاً منها، كالتعليم مثلاً، فيدخل عدداً من الأبناء للدراسة هذا العام، ويؤجل آخرين للعام التالي، وإذا دخل العام التالي أدخلهم وأوقف الأولين، وهلمجرا.. أو يؤخر العلاج مع ضرورته، ويقدم حاجة عاجلة إلى غير ذلك.

فلنسهم في إفساح المجال للجمعيات الخيرية لمثل هذه الحالات.

«اقنع بما عندك تكن أغنى الناس، وعليك بالصدقة لتزيل عنك الهم، وانظر إلى من هم أقل منك حالاً تعش شاكراً مرتاح البال».

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر