الأمان الوظيفي وصفة لنوم هانئ

محمد سالم آل علي

يعد الأمان الوظيفي هاجساً عند غالبية الموظفين، خصوصاً الذين يعملون في القطاع الخاص، ليس فقط لارتباطه بمجموعة من العوامل التي لا يستطيعون التحكم بها، وإنما لتأثيره الكبير على مدى إحساسهم بالطمأنينة والاستقرار وراحة البال؛ فالموظفون جميعهم، ومن أكبرهم لأصغرهم، لا شك تنتابهم من حين لآخر بعض الكوابيس المزعجة التي تتعلق بخطر التسريح أو إنهاء الخدمات؛ وإذا ما تنامت تلك الكوابيس وبدأت تلامس الواقع فإنها ستبدأ بترك آثارها الواضحة على الموظف، ولعل ما يأتي في بداية الأعراض هو انعدام الرضا الوظيفي وغياب الحافز وما يتعلق بذلك من انخفاض بالإنتاجية وتداعٍ في مستويات الأداء؛ ثم يلي ذلك فقدان الثقة بإدارة المؤسسة والقائمين عليها، ما سيقود بدوره إلى انخفاض درجات الولاء والالتزام؛ أما ثالثها فهو الأثر الذي يمتد ليطال الجوانب النفسية للموظف، كالقلق والتوتر وغياب القدرة على السعادة والاستمتاع.

ومن أجل تحليل هذه المشكلة لابد من التطرق إلى المسببات الرئيسة التي تقف وراءها، وهي لاشك واضحة وضوح العيان، فالعامل الاقتصادي كان ومازال صاحب الأثر الأكبر، خاصة عندما يكتنفه عدم اليقين؛ وهناك العديد من الأمثلة اليومية التي تدعم هذا الرأي، وكم من شركات في مختلف دول العالم تُسرّح قسماً من موظفيها في أوقات الركود والتباطؤ الاقتصادي، أو في أيام الاضطرابات والجوائح مثل جائحة «كوفيد-19» سيئة الذكر؛ كما أن العديد من الشركات الصغيرة، وخلال كفاحها الدائم من أجل البقاء، تعمد إلى تسريح الموظفين وتوظيف غيرهم برواتب أقل، ناهيكم بشركات أخرى ترزح أصلاً تحت صعوبات مالية وقد تنهار فوراً عند أول خضّة تاركة موظفيها بلا سند ولا معين.

وهناك أيضاً عوامل أخرى تتعلق ببنية المؤسسة نفسها أو بحجم نشاطها الاقتصادي، فالشركات الكبرى عالية المعايير تبرز لديها مشكلات عدم التسامح في مستويات الأداء، وقد يشعر موظفوها ممن لا يستوفون التوقعات بأن أمانهم الوظيفي في خطر داهم، وهذا الشعور يبقى لديهم باستمرار؛ كما أن التغييرات التنظيمية في تلك الشركات العملاقة، كعمليات الدمج والاستحواذ وإعادة الهيكلة، تلعب دوراً كبيراً في ازدياد درجات القلق خشية المصير القادم وغير المعلوم.

نأتي إلى التغيرات الجذرية في مهنة أو صناعة ما، وهي تغيرات تؤدي إلى تزعزع كبير جداً يصيب عمق الأمان الوظيفي، ومثالها التطورات التكنولوجية المتسارعة التي نشهدها اليوم وما ينتج عنها من ذكاء اصطناعي مخيف سيعمل حتماً على استبدالنا في الكثير من القطاعات سواء شئنا ذلك أم أبيناه.

نعم هناك حلول كثيرة أمام المؤسسات تزيد من خلالها مشاعر الأمان الوظيفي لدى موظفيها، كتعزيز مستويات التواصل الشفاف بشأن الحالة المالية للمؤسسة وخططها المستقبلية، وأيضاً التطرق إلى أي تغييرات محتملة قد تؤثر على الموظفين في القريب المنظور؛ إضافة إلى حل آخر يتمثل بتزويد الموظفين بجرعات منتظمة من التدريب والتطوير، ما سيسهم في تطوير مهاراتهم وتعزيز قيمتهم إلى أن يصبحوا مكوّناً أساسياً يصعُب التخلي عنه؛ وفي الوقت نفسه يمكن أن تعمل المؤسسات دوماً على اتباع منهجية ثابتة في تقدير ومكافأة الموظفين، أو على الأقل شكرهم على مساهماتهم، ما سيرفع من معنوياتهم ويزيد شعورهم بالأمان الوظيفي.

وعلى الجانب الآخر هناك أمور مطلوبة من الموظفين أنفسهم في سبيل تحقيق أمانهم الوظيفي الشخصي، كالبحث عن فرص التطوير المهني ذاتياً أو من خلال البرامج والدورات التدريبية التي تكسبهم مهارات جديدة وتجعلهم أكثر مرونة وتكيفاً عند حدوث التغيرات، إلى جانب بناء العلاقات القوية والمتينة مع الزملاء والمديرين داخل المؤسسة وخارجها، وخلق السمعة الحسنة والإيجابية وغيرها من العوامل المُعززة التي توفر شبكة مهنية قوية تدعم الموظف في حالة فقدان الوظيفة أو تغييرها، وتُسهم بلا شك في تحسين درجة الأمان الوظيفي.

وبالخلاصة يمكن القول إن ثقافة العمل الداعمة والشفافة، إضافة إلى سياسة الاستثمار في الموارد البشرية، ستقودان حتماً إلى بيئات أكثر أماناً وإنتاجية، كما أن الموظفين أنفسهم وكلما زادوا من سيطرتهم على العوامل الخارجية، ونجحوا في تحقيق التوازن ما بين العمل والحياة؛ كان نومهم وادعاً وقرير العين.

مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر