الدواجن الرقمية

محمد سالم آل علي

لا أخفيكم بأن أحد أصدقائي، وبعد أن قرأ مقالتي السابقة، حول الثروة الحيوانية، ملأته الحماسة ودوافع الاستثمار، فهاتفني على عجل، طالباً النصح والأفكار، ولأنه ممن يهتمون بالذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، فقد طلب مني أن أعد له دراسة مصغرة حول مشروع لتربية الدواجن، ينسجم مع العالم الرقمي، ويغزل على منواله.

طبعاً شعرت بالسعادة لما طلب، ليس لأنه اهتم بالاستثمار في هذا القطاع الحيوي فحسب، وإنما لأنه أراد مجاراة العصر، ودمج تقنياته في سبيل إنجاح المشروع، لذا سعيت إلى أن أقدم له الصورة باختصار، وأترك له مسألة التفكير والاختيار، وقد توصلت بعد مطالعات عديدة وكثير من القراءات إلى أن قطاع الدواجن ليس إلا قطاعاً كغيره من القطاعات، وله نصيبه من المشكلات والمصاعب والتحديات، وخاصة تلك التي تتعلق بتكاليف التأسيس والإنتاج، والبحث عن العمالة من أصحاب المهارات، ورعاية الطيور وتغذيتها وحمايتها من الأمراض والآفات، وكذلك المسائل الأخرى كالمنافسة والتسويق، ووضع الاستراتيجيات، وأيضاً البيئة وما تفرضه من مسؤوليات والتزامات، وما إلى ذلك من شؤون وتداعيات.

إلا أن ما يدعو إلى السرور، هو قدرة الذكاء الاصطناعي على مواجهة كل ما ذكر أعلاه والانطلاق بصناعة الدواجن إلى عهد جديد تماماً، يعد بكثير من الربحية ونجاح الاستثمار، وذلك من خلال الرصد وتجميع البيانات تلقائياً قبل اتخاذ القرار، وتوظيف إنترنت الأشياء وأجهزة الاستشعار؛ وبما أن الذكاء الاصطناعي أضحى قادراً على التعلم من خلال التدريب وتحليل المعطيات، فإنه قادر على تصنيف البيانات المجمعة، واكتشاف الاتجاهات، ما سيساعد القائمين على المشروع على اتخاذ أفضل القرارات وصولاً لأفضل المنتجات.

فعلى سبيل المثال تستخدم مزارع الدواجن التي تديرها «الروبوتات» العديد من أجهزة الاستشعار لقياس وزن الطيور ونماذج حركتها ونشاطها، وأيضاً حالتها الصحية ودرجة حرارتها، ومعدل استهلاكها الأعلاف والمياه، إضافة إلى الأجهزة الأخرى التي ترصد شروط المزرعة كالضوء والحرارة ونسبة الرطوبة ومستويات ثاني أكسيد الكربون والأمونيا والأكسجين، وغيرها العديد من النقاط التي على ضوئها تتم المعالجة أو التدخل لتصحيح المسار، كما أن الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يقلص كثيراً من التفاعل اليومي ما بين البشر والطيور، ويقلل من مصادر العدوى والأمراض، حتى إنني قرأت في إحدى الدراسات حول مستشعرات متطورة ترصد صيحات الدجاج، وتلتقط النداءات والاستغاثات، ثم تقوم الحواسيب المتطورة بتحليلها ومقارنتها لتحديد نوع الصوت الذي يمثله كل منها، وبالتالي تتم الاستجابة لها فوراً، بما يضمن سعادة ورفاهية الدجاجات!

أعلم أن هذا الكلام يبدو شكلاً من أشكال الفكاهة لدى البعض، لكنه في الواقع مبني على أسس علمية وبيولوجية مثبتة، وهي تؤكد أن الأصوات والنداءات التي تصدرها الفراخ الصغيرة، وأيضاً الدجاجات الناضجة، يمكن أن تتنبأ بصحة وسلامة الطيور، كما أنها في الوقت نفسه تعد مؤشراً جيداً لمعدلات النفوق والنمو.

وعلاوة على ذلك كله، ومن منظور استثماري يحبه رجال الأعمال، يمكننا القول إن إنتاجية الذكاء الاصطناعي لا تقارن بنظيره البشري، فمعدلات أخطائه ضئيلة إلى حد كبير، وهو يعمل على مدار الساعة، وطوال أيام الأسبوع، وهو يحسّن من كفاءة مزرعة الدواجن إلى الدرجة التي تضمن نمو الأرباح بشكل سريع ومطرد.

نعم إن الذكاء الاصطناعي عازم، شئنا أم أبينا، على اقتحام كل المجالات، وسيُرقمِن كل من يواجهه، ويعترض طريقه، ومن المؤكد أيضاً أنه سيحول الوجه الحالي للنشاط البشري، الاقتصادي منه والاجتماعي، وقريباً جداً سيكون علينا الاختيار، ما بين دجاجة ذكية هنا وبيضة رقمية هناك! 

مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر