الإدارة علم أم فن؟

محمد سالم آل علي

لا شك أن الإدارة السليمة هي عماد النجاح، وهي السبيل الوحيد أمام المؤسسات لتحقيق الأهداف والتطلعات، وهي تحمل في ثناياها وصفات وعلاجات لكل شأن وقضية؛ فمن ناحية الاستراتيجيات هي المسؤولة عن تلمّس الفرص واستباق التهديدات، وأيضاً عن وضع مسارات التنافس والتسويق في عالم الأعمال؛ ومن الناحية المالية هي من يقع على عاتقه مهمة التخطيط لاستخدام الموارد المالية للشركة بأعلى درجات الفاعلية تحقيقاً للنمو وترجمة لتطلعات المستثمرين؛ ولعل ذلك كله لا يتحقق من دون نجاحها في إدارة العنصر البشري داخل المؤسسة، فهو العنصر الأهم وهو القوام والمرتكز، وعلى الإدارة هنا فهم الاحتياجات وتلبيتها، وإشاعة الود والسعادة في بيئة العمل بكل أركانها وزواياها، ورصد المواهب والإمكانات المتميزة ودعمها وتحفيزها، وإدارة الجميع من أعلى الهرم وإلى قاعدته بالشكل الذي يشحذ الهمم ويدفع نحو الإبداع والتفوق.

إلا أن الكثير من الناس يتجادلون ويتناقشون حول موضوع الإدارة من ناحية الفهم والمنظور، فمنهم من يراها فناً أصيلاً يعتمد تطبيق المعرفة والمهارة في سبيل تحقيق أفضل النتائج الممكنة، فالمدير كالرسام لوحته المؤسسة وألوانه مواردها وموظفوها، بينما ريشته هي حكمته الإدارية التي تأتي بأفضل القرارات وأنجع الحلول؛ وعلى الجانب الآخر يراها البعض علماً كونها تنطوي على تقنيات علمية في جميع جوانبها وأساليبها؛ فالمدير هنا عالم يستنبط النظريات وفق منهجية علمية ويطبقها بطرائق منطقية، وكما يقال فإن المقدمات السليمة لا تقود سوى إلى نتائج سليمة وفعّالة؛ ويستمر المجادلون من أصحاب الرأيين في تقديم الوقائع والبراهين، فأصحاب الرأي الأول يسترسلون في سرد أدلتهم ويستشهدون بأن المدير مهما كبرت مسؤولياته أو صغرت لابد أن يمارس فن الإدارة بالاستناد إلى طريقته الفريدة في العمل، أي معالجته للمشكلات بناءً على آرائه الخاصة وأحكامه وفهمه للوضع، لذا يمكن القول إن الإدارة هي مهارة فردية تتطلب معارف وقدرات إبداعية، وهي لا تستند للعلم بقدر ما تعتمد على الخبرة والممارسة المنتظمة التي يقوم المدير من خلالها بمجابهة التحديات والتغلب عليها عبر القيادة واتخاذ القرار السليم، وهذه بالتحديد هي النقطة الجوهرية التي تميز ما بين المدير الناجح والمدير المتعثر.

أما أصحاب الرأي الثاني فيصرّون على أن للإدارة ميزات العلم، لأنها تستخدم الأساليب العلمية في اتخاذ القرار وتقييم النتائج، وهي عبارة عن نهج معرفي يأتي على شكل نظريات ومفاهيم ومبادئ ترتبط بمختلف أشكال العلوم، مثل الاقتصاد والرياضيات وعلوم النفس والاجتماع، وبما أن الإدارة تتعامل مع السلوكيات البشرية التي يصعب التنبؤ بها فهي تعتمد إجراءات منهجية وطرقاً علمية من أجل الرصد والتحليل، وهذا ما يجعل منها علماً اجتماعياً أدواته الناس ومفرداته أداؤهم وسلوكياتهم، وهذه هي الأمور الأساسية التي تدور حولها المسألة برمتها.

وبالتفكّر في الرأيين نجد أن الإدارة في واقع الأمر تجمع كلاً من ميزات العلم والفن، فالعلم يوفر المعرفة، بينما يتعامل الفن مع طرائق تطبيقها تحقيقاً لأفضل النتائج؛ فالمدير الناجح هو من يحمل الوجهين، فهو عالم يكتسب المعرفة من خلال الدراسة والخبرة والملاحظة والتحليل، ثم يطبّقها عملياً في سبيل الإدارة والتعامل مع الموظفين؛ وهو بالمقابل فنان يستند إلى خياله الإبداعي وذكائه وخبرته التي صقلتها السنين، بالإضافة إلى حدسه وبصيرته في التعامل مع مختلف المشكلات التي تواجه المؤسسة والموظفين.

والوجهان هنا ليسا متعارضين، بل مكملان لبعضهما بعضاً؛ لأن المدير الناجح هو من يمزج الفن بالعلم، ويمضي قدماً بالمؤسسة نحو حصاد من النجاح وقطاف من أزهى النتائج والثمار.

مؤسس «سهيل للحلول الذكية»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر