تثقيف المؤسسات

محمد سالم آل علي

لا شك أن ثقافة العمل المؤسسي هي المفتاح لنجاح الشركات وازدهار الأعمال، وهذا الأمر يؤكده العديد من الدراسات التي تشير إلى أن الشركات ذات الثقافات المؤسسية السليمة أكثر احتمالية بنحو مرتين لتحقيق نمو في الإيرادات مقارنة ببقية الشركات، كما أنها تمتلك فرصاً أكبر ثلاث مرات لتحقيق نمو كبير في الأسهم والاستثمارات، لكن تبقى المشكلة المرتبطة ببعض قادة الموارد البشرية، الذين يفشلون في تطوير مؤسساتهم، ويحرمونها من ثقافة العمل اللازمة لقيادة الأعمال التجارية وتوجيهها نحو المستقبل.

بالتأكيد لا توجد مهمة سهلة، خصوصاً إذا ما علمنا أن 85% من المؤسسات تفشل في تغيير ثقافاتها مهما طالت بها الأيام، ليس لأنها تعجز عن ذلك، وإنما لأنها تجهل قيمة تلك الثقافة في تحديد القيم والمبادئ الأساسية التي توجه السلوك التنظيمي للمؤسسة، وبالتالي وضعها على المسار الصحيح في عالم النجاح والتميز.

لكن ما المقصود بثقافة العمل المؤسسي وكيف ننجح ببنائها؟

يمكننا النظر إلى الثقافة المؤسسية على أنها جميع معتقدات الشركة وقيمها ومواقفها، والكيفية التي تؤثر بها تلك العناصر على سلوك موظفيها، أي أنها ببساطة مسؤولة عن إدارة وتوجيه تصرفات جميع أعضاء الفريق، فإذا كانت الثقافة تحمل سمات إيجابية ومميزة فهي حتماً ستؤدي إلى تحسين الأداء، وبالمقابل إذا عانت الخلل فإنها ستعرقل حتى أكثر المؤسسات نجاحاً واستقراراً.

فعلى سبيل المثال، ومن أجل مواجهة التحديات الاقتصادية، يميل بعض قادة الأعمال إلى تقليص التكاليف في المجالات التي تؤثر في معنويات الموظفين، وهم لا يدركون بأن هذا خطأ فادح، لأنه غالباً ما يؤدي إلى انخفاض إنتاجيتهم أو حتى تركهم العمل، وبالتالي فقدان الكفاءات المميزة والخبرات، بيد أن التوجه السليم يقول إن الموظفين هم الأساس لأي عمل أو نشاط اقتصادي، وهم من يجب مراعاتهم والاستثمار فيهم بدلاً من خفض التكاليف أو التضييق عليهم.

لذا، فإن ثقافة العمل المؤسسي تتطلب من المديرين والمسؤولين أن يديروا أعمالهم بشكل مسؤول، وأن يعززوا من التواصل بين العناصر البشرية بمختلف درجاتها الوظيفية، لأن الاتصال الحقيقي هو اتصال القلوب والعقول، وهو وحده القادر على دمج وجهات النظر المختلفة والممارسات الثقافية المتنوعة، وعندها فقط سيتمكن الموظفون من تعزيز أدائهم، وسينخرطون في نطاقات أوسع من التناغم، وكما هو معلوم كلما ازداد الارتباط والانتماء في المؤسسة ازدادت مشاركة الموظفين وعظُم تعاضدهم.

وهناك جوانب أخرى متعددة يجب مراعاتها في هذا السياق، كجودة الهيكل التنظيمي وحوكمة مستوياته، إضافة إلى آليات تعزيز الثقة والشفافية عبر تمكين صوت الموظف، ودعم المشاركة، وتقوية جوانب المرونة التنظيمية، وأيضاً خفض التوتر من خلال إعطاء الأولوية لرفاهية الموظف، ومراعاة صحته الجسدية والنفسية، وكذلك الأمر في ما يتعلق بتقدير خبرة الموظف وأدائه المتميز، وما يرتبط بذلك من دورات تأهيلية وتدريبية منظمة، تنمّي المهارات الوظيفية جنباً إلى جنب مع الكفاءات السلوكية، وغير ذلك من متطلبات جوهرية تكفل سعادة الموظفين، وتؤدي إلى نتائج أكثر ابتكاراً وأعلى إنتاجية.

نعم، إن الثقافة المؤسسية هي من أهم الأصول من أجل نجاح المؤسسات على المدى الطويل، وذلك بما تحمله من قيم لجميع أطراف العمل، فهي بمثابة تحدٍ متمحور حول القيم الإنسانية في مكان العمل مقابل المعاملات المجردة القائمة على الأمر والتنفيذ، وهي ملتزمة دوماً بالتميز، وموجهة نحو النمو، وهي نظام رقابة سلوكي يتميز بالمرونة، ويحمل في طياته كامل المعايير، وبالطبع هي القانون الذي يوائم ما بين أهداف المؤسسة وتطلعاتها وما بين فرق العمل وسلامة أدائها.

مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر