الدراسات الإسلامية في الجامعات: تأصيل وتقييم

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

أقامت جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية في العاصمة أبوظبي مؤتمراً علمياً أكاديمياً بعنوان «الدراسات الإسلامية في الجامعات نحو تعزيز قيم المواطنة والتعايش» في الفترة من 22-24 من الشهر الجاري، وقد كان اختيار هذا العنوان ليكون محور المؤتمر اختياراً موفقاً؛ لأن فترة الدراسة الجامعية هي فترة النضج العقلي والفكري، التي ينبغي أن توظف أحسن توظيف لما ينفع الشبيبة الجامعية، فهي مرحلة العطاء والبناء، أو مرحلة الهدم والدمار، وسبيل ذلك هو التعليم بمواده المصلحة، أو المفسدة، وقد أخذت هذه الجامعة المباركة على عاتقها تقديم أفضل ما ينفع الناس ويمكث في الأرض من تنوير معرفي، وتثقيف إسلامي أصيل مستمد من سماحة الشريعة الإسلامية الغراء، ووسطيتها المحمودة، وأصولها البناءة، وتأريخها المجيد الناصع حضارة وفكراً، قدمت كل ذلك بأسلوب حضاري، وعن طريق أساتذة ربَّانيين مُربين، وتقنيات عالية، وهي تقيم كل سنة مؤتمرات تنويرية عديدة من أجل إحياء البحث العلمي لدى الأساتذة الجامعيين، ومشاركة فاعلة من الدارسين حتى يكون الجميع على مستوى ما تطمح إليه الجامعة من تقدم علمي رصين، وفكري إسلامي منفتح ومؤصل.

ومن أهم ما قدمته الجامعة من هذه المؤتمرات هذا المؤتمر الذي يغرس قيم المواطنة والتعايش السلمي في المجتمعات، هذه القيم التي هي من أهم المهمات في الدين، والتي أتى عليها حينٌ من الدهر شُوِّه فيه الفكر الإسلامي السليم، إذْ غُرِس في أذهان الشبيبة الجامعية الفكر العدائي والإقصائي واحتكار الحقيقة، ونتج عن ذلك الخروج المسلح على الدول والمجتمعات، فعاث الفساد في الأرض، وكاد يلتهم الوطن العربي والإسلامي كله، وسبب ذلك هو التعبئة الفكرية التي عاشتها الجامعات الإسلامية وغيرها.

إن الشريعة الإسلامية صافية النَّبع، نقِيَّة المشرب، واسعة الأفق، وإن حدث لها بعض دخن ودخيل بسبب تأويل الجاهلين وانتحال المبطلين وتحريف الغالين، فإن ذلك لا يدوم؛ لأن الله تعالى قد أورثها قوماً هم بها عاملون، فينفون عنها مثل هذا الدخل الذي قد يطرأ عليها بين حين وآخر، فهي شريعة الله الخالدة التي رضيها لعباده، واختار لها رجالاً جعلهم أمة للناس بهم يهتدون، فلا يستمر ذلكم الزيف الذي يفسد ولا يصلح، كما وعد الله تعالى بقوله: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ}

والدليل على ذلك ما قُدِّم في هذا المؤتمر من تأصيل فقهي لما يجب أن يكون عليه التعايش البشري، فإن الفقه لا يُخْطئ الواقع، غير أنه غُيِّب ردحاً من الزمن، فأصبح الناس ينقادون لما يقدم لهم من فقه أحادي المشرب والاتجاه، فضاق على الناس ما وسعته الشريعة السمحة الغراء، وقد أذن الله تعالى للحق أن ينبلج ويمحو الظلام، وكأني بقول النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: «إن الدين بدأ غريباً ويرجع غريباً فطوبى للغرباء، الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي» كأني به ينطبق على واقعنا اليوم.

إن التأصيل الفقهي والأصولي، وقواعد الفقه المُحْكمة هو الكفيل لإنارة الحق، فلابد للمجتمعات من العودة إلى ينابيع الفقه المحكمة التي وسعت الدولة الإسلامية على مدى 14 قرناً ماضية، هو الذي يتعين أن يسود في أوساط طلبة العلم المتخصصين، ومبتغي الثقافة الإسلامية العامة حتى لا يضِلوا ويَضلوا، وها هي جامعة محمد بن زايد للعلوم الإسلامية تفتح الطريق، وتوسع المضيق لمن أراد الهدى على التحقيق، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

• إن الشريعة الإسلامية صافية النَّبع، نقِيَّة المشرب، واسعة الأفق، وإن حدث لها بعض دخن ودخيل بسبب تأويل الجاهلين وانتحال المبطلين وتحريف الغالين، فإن ذلك لا يدوم.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر