مفهوم التعلم الحكومي (3)

الدكتور علاء جراد

يستكمل مقال اليوم المراحل المتبقية من سلّم التعلم الحكومي، ونبدأ بالمرحلة الرابعة، أي الانعكاس الداخلي، والمقصود بالانعكاس هنا هو التدبر والتفكر والتحليل في الحدث موضوع التعلم، حيث تتم في هذه المرحلة دعوة الأفراد المنخرطين في العملية الحكومية التي تتم دراستها أو الموقف التعلمي، ويقومون هنا معاً، سواء حضورياً أو عن بُعد، باستعراض محصلة المرحلة الثالثة، ومراجعة ما تعلموه شخصياً حتى الآن، مع محاولة تحليل الأسباب، ويتوقع أن يكون هناك إنتاج معرفي من هذه المرحلة، حيث يحاول «المتعلمون» أو سفراء التعلم، وضع إطار نظري يمكن استخدامه لاحقاً.

أما المرحلة الخامسة (الانعكاس الخارجي)، فيتم فيها استدعاء زملاء عمل آخرين من مشروعات أو إدارات أخرى، للتحاور معهم، ونقل المعرفة التي تم استخلاصها لهؤلاء الزملاء بطريقة سلسة، ومن دون محاضرات أو عروض تقديمية، بل مجرد حوار بين الفريقين، على أن يقوم الزملاء من الإدارات الأخرى بطرح الأسئلة لمزيد من الفهم، وكذلك للتأكد من أن المعرفة المكتسبة سارية، وبالفعل تعكس الوضع في المؤسسة الحكومية، والفائدة المرجوة هنا هي تأكيد المعارف الضمنية، والتي تحولت إلى معارف صريحة الآن، وكذلك نقلها لزملاء آخرين، ما يساعد ويسرع تطبيق سلم التعلم عبر المؤسسة ككل.

ننتقل بعد ذلك إلى المرحلة السادسة (إعادة التصور)، وكما يتضح من عنوان المرحلة، تتم هنا إعادة تصور العملية موضوع التعلم، وإعادة تصميمها وفقاً لما تم التوصل إليه من معرفة حول تلك العملية، بحيث تصبح خالية من الأخطاء، وتبنى على تلافي الأخطاء السابقة، ويقوم فريق «سفراء التعلم»، بوضع هذا التصميم الجديد، وتحل المعرفة الجديدة محل المعرفة السابقة. ننتقل إلى المرحلة السابعة، وهي التحول، وفيها يتم تحويل المعرفة الجديدة والتصميم الناتج عن المرحلة السابقة إلى خطط عمل مشفوعة بمؤشرات أداء ومقاييس، مع تحديد مسؤوليات العمل، ودور كل فرد أو إدارة في العملية الجديدة، وبذلك تتحول المعرفة الصريحة إلى مرحلة التنفيذ والجاهزية لاستبدال السياسات والإجراءات السابقة. وأخيراً مرحلة التكوين، وقد ترجمتها من الكلمة الإنجليزية Configuration ولكنني أرى أن الكلمة الأدق هي التوثيق Documentation حيث تنصب هذه المرحلة تماماً على توثيق كل ما تم في المراحل السابقة، وكتابة شرح مفصل للدروس المستفادة، وإن أمكن توثيقها بالفيديو، وكل ما من شأنه عمل ذاكرة مؤسسية ووعاء معرفي تمكن مشاركته مع المؤسسات الحكومية الأخرى، بل مع الدول الأخرى، حيث إن التعاون المعرفي هو سمة العصر.

لقد حاولت بإيجاز شرح سلم التعلم الحكومي بمراحله الثماني، وفقاً لما جاء في تقرير البنك الدولي، وفي تصوري فإن هذا المشروع قد أخذ وقته، وحصل على التمويل اللازم، فتم العمل في بيئة مثالية أمكن فيها تطبيق كل المعايير وممكنات التعلم، ولكن أتصور أن هذا الوضع لا يمثل الممارسة الفعلية بدقة، حيث إن هناك حاجة لتسريع عملية التعلم، واختصار تلك الخطوات، فمتخذ القرار ربما لا يساعده الوقت على الانتظار الطويل، لذلك سأطرح في المقال القادم تصوراً أكثر رشاقة، يعمل بمثابة مُسرّع لعملية التعلم الحكومي.

Alaa_Garad@

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر