البطلة ذات الألف وجه ووجه

د. كمال عبدالملك

في كتابه الصادر عام 1949 بعنوان «البطل ذو الألف وجه»، وضع الباحث الفولكلوري جوزيف كامبل مخططاً لرحلة كلاسيكية كان لها عظيم الأثر في قصص وأعمال سينمائية، مثل «حرب النجوم»، و«شفرة دافنشي». يرصد كامبل كيف يستجيب بطل الرواية لنداء المغامرة، ويمر بمحنة، ثم يعود إلى موطنه بطلاً. ونلاحظ أن معظم شخصياته - إن لم تكن كلها - من الذكور.

نشرت الدكتورة ماريا تاتار، أستاذة اللغات الجرمانية والفولكلور في جامعة هارفارد، كتابها الجديد «البطلة ذات الألف وجه ووجه» ( The Heroine with 1001 Faces, Liveright, 2021)، رداً على كتاب كامبل، وتستعرض المؤلفة حكايات دعاة الحرب، والآلهة المنتقمة، والذئاب المنفردة في الأساطير القديمة، والقصص الخيالية، والأفلام والأدب المعاصر لإلقاء الضوء على النساء اللواتي تم تجاهلهن والاستهزاء بمآثرهن البطولية لقرون عدة.

تفكّك مؤلفة الكتاب ثيمة عبادة الأبطال المحاربين، وتكشف عن تاريخ سري للبطولة في صميم الخيال الثقافي الجمعي في الغرب، مُظهرة كيف أن البطلات، نادراً ما يحملن سيفاً، وغالباً ما يُحرمن من القلم، ودائماً ما يطيرن تحت الرادار أثناء عزمهن على القيام بمهام خارقة. ومن خلال ممارسة الحرف المنزلية واستخدام الكلمات كأسلحة، وجدت هؤلاء النسوة طرقاً للنجاة من الاعتداءات وإنقاذ الآخرين من الأذى، كل ذلك أثناء إصلاح الحواف المهترئة في نسيج عوالمهن الاجتماعية.

تتحدى المؤلفة النماذج الأساسية للبطولة في كتاب جوزيف كامبل The Hero with a Thousand Face، بتركيزه الذكوري على تحقيق المجد والخلود. إن العثور على النساء المفقودات من حسابه وتحديد مساراتهن البطولية ليس بالأمر السهل، لأن كامبل ابتكر كتابة قواعد اللعبة لمخرجي هوليوود. استسلم الجمهور في جميع أنحاء العالم عن طيب خاطر لإغراء قصص البحث والأبطال الجذابين.

تنتقل المؤلفة بسهولة من المحلي إلى العالمي، وتوضح كيف ترتدي البطلات الجديدات فضولهن كعلامة شرف بدلاً من علامة عار. لا اعتذار هنا بالنيابة عن باندورا التي دفعها الفضول أن تفتح صندوقاً كان يحوي كل أمراض وأوجاع الحياة، كما تقول الأسطورة المشهورة.

إنّ الفضول وحب الاستطلاع ليس عملاً سيئاً لأن نتيجته كانت سيئة ذات مرة، ولطالما ارتكبت النساء المخالفات في السعي لتحقيق العدالة الاجتماعية، كشخصيات مخادعة تسنّ أشكالها الخاصة من العدالة خارج نطاق القضاء، وتكشف عن قيمة الشجاعة والتحدي للظلم.

في حديثها مع صحيفة «هارفارد غازيت» تقول المؤلفة إن هدفها كان تسجيل عدد لا حصر له من الاحتمالات لبطولة الإناث وتحدي الفرضية التي تتمحور حول الذكور في كتاب كامبل، ومقارنة نموذجه بما هو موجود في مشروع سرد القصص البطولي لشهرزاد في «ألف ليلة وليلة». فقد لاحظت أنّ في معظم الثقافات من الماضي، كانت المرأة تفتقر إلى حركة نظرائها من الذكور، وكانت محصورة في المساحات الداخلية، حيث تعمل في الحرف المنزلية: النسيج، والغزل، والخياطة، والأهم من ذلك، رواية القصص.

أسعدني أن أقرأ أن المؤلفة أسهبت في شرح دور شهرزاد كشخصية تأسيسية لنموذج المرأة البطلة:

«إن براعتها في سرد القصص لا تمكّنها من البقاء على قيد الحياة فحسب، بل تمكّنها أيضاً من تغيير الثقافة التي تعيش فيها؛ ينهي شهريار ممارساته العنيفة ويعيش في سعادة دائمة مع زوجته وأطفالهما. وهنا نجد أن مثل العديد من البطلات، تستخدم شهرزاد الكلمات كسلاح ناجع والقصص كسيف قاطع. وهدفها ليس المجد ولا الخلود، بل تحقيق العدالة الاجتماعية». 

باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  

تويتر