الأندية العلمية على خُطى التمكين

محمد سالم آل علي

تشير الدراسات إلى أن كثيراً من الطلاب يقل اهتمامهم بالعلوم وتطبيقاتها تدريجياً مع تقدمهم بالمراحل الدراسية، وخاصة عندما يصلون إلى المرحلة الثانوية، حيث تبدو لهم تلك العلوم والمهارات المرتبطة بها كأنها مهمة شاقة هم في غنى عنها، لاسيما عندما تكون ليست ذات صلة بوظائفهم المستقبلية، متجاهلين حقيقة أن المعرفة العلمية مطلوبة في كل المسارات الحياتية، فنحن مقبلون على عصر تقوده الأرقام، وما كان يسمى بالماضي محواً للأمية أضحى اليوم محواً للأمية العلمية، فالمعايير اختلفت، والمفاهيم حُدّثت، ووحدهم القادرون على استيعابها هم من سيقودون التحول ويرسمون ملامحه المستقبلية.

وللإنصاف أقول إن مهمة كبيرة كتلك لن تقع على عاتق المؤسسات التعليمية وحدها، فسدّ الفجوة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات تتطلب مشاركة الطلاب في أنشطة موازية من التعلم غير الرسمي بعيداً عن الصفوف والمقاعد، أي في أمكنة تجمع الفكر بالتطبيق، وتطلق العنان أمام ابتكارات الطلاب وإبداعاتهم دون أن يحدها منهج أو تحبطها نتيجة امتحان، وهذا هو بالتحديد ما يُطلق عليه اليوم اسم النوادي العلمية.

لاشك في أن كل ما ذُكر أعلاه هو إطار نظري واضح الأركان، لكنه يحتاج إلى أكثر من ذلك بكثير حين يأتي وقت التطبيق؛ فحتى ننجح في تلك المهمة لابد أن يؤمن الطلاب أولاً بقدراتهم وإمكاناتهم، ومن ثم يأتي دورنا بمدّهم بأسباب العزيمة والتحفيز، ودفعهم نحو الالتزام بالممارسة والتدريب والأخذ بهما شرطين أساسيين لتحقيق النجاح، ولأجل ذلك علينا إدخال مفاهيم جديدة ومستحدثة، كالتعلم عن طريق اللعب، والترغيب من خلال المنافسة، وعلينا أن ننجح أيضاً في تعزيز ثقافة المشاركة المجتمعية، عبر تنظيم المسابقات والإعلان عنها على مختلف الوسائل، وأيضاً جذب الداعمين والجهات الراعية ممن يُضفون قيمة استثنائية على المبادرة، سواء كان ذلك من خلال الجوائز أو عبر التكريم المتميز بحضور أهم الشخصيات.

وعلينا في هذا السياق ألا نُغفل دور المعلمين، فهم الذين يتوقف عليهم نجاح العملية بأسرها، وعلينا دعمهم بشتى السبل والوسائل، فمن ناحية يمكننا فتح باب المشاركة أمام كل من يمتلك معرفة وحرفة يرغب في مشاركتها، ومساعدتهم ما أمكن على تمرير معارفهم إلى الأجيال، ومن ناحية أخرى، يمكننا أن نضمن استمراريتهم من خلال تخصيصهم بميزانية محددة، وتكريم أفضلهم عبر أجزى المكافآت، فكلنا يعلم كم من مبدع وفنان يختزن الكثير من الخبرات ويحتاج فرصة لإطلاقها!

ومن أجل اكتمال الصورة يجب أن تكون المراكز والأندية حاضرة لتلبية المستهدفات، أي يجب أن تكون مجهزة بكل الأدوات والمعدات، وأيضاً المساحات المناسبة لممارسة النشاطات، والأهم أن تكون منتشرة في المدن وداخل الأحياء، حتى تكون متاحة للجميع، وسهلة الوصول للعابرين والقاطنين.

ولا حاجة هنا للمناهج الدراسية، ولا حتى للمراحل التدريجية، بل سيقتصر الأمر على ما تريد أن تنجزه، فإذا أراد الطالب صنع طائرة صغيرة، لا حاجة لأن يتعلم فيزياء الطيران وديناميكا الهواء، وإنما سيحتاج فقط إلى تعلم قراءة التصميم، واستخدام المواد المتاحة لتنفيذه بأقل التكاليف، وتبقى المنافسة مع الآخرين في صنع أفضل النماذج وأكثرها سرعة وعملية.

وحتى لا أطيل عليكم، تخيلوا معي عملية تعليمية قائمة على اكتشاف المواهب، تتقاطع فيها الفنون الإبداعية مع الابتكارات التكنولوجية، وتستغل الإمكانات الكامنة في كل طفل، وتمكنه من تسخير جميع طاقاته الحيوية في إطار واسع من الاستقلالية، وتعتمد الممارسة والتدريب سبيلاً نحو ذلك؛ ألا تعتقدون معي بأن مثل هكذا عملية ستكون حتماً خارطة الطريق نحو التمكين؟

مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  

تويتر