مفهوم التعلّم الحكومي

الدكتور علاء جراد

سيظل موضوع التعلم العامل الحاسم في نجاح الأفراد والمؤسسات والأمم، خصوصاً في هذه الحقبة العصيبة التي يمر بها العالم من الغموض والتوتر وعدم الاستقرار. منذ عقد من الزمن قامت مجموعة من خبراء البنك الدولي بعمل دراسة وتقييم لمشروعات دولية عدة في مختلف دول العالم، وبالتعاون مع حكومات عدة، أسفرت هذه الدراسة التقييمية عن تقرير من 206 صفحة تم نشره في كتاب بعنوان «الصندوق الأسود للتعلم الحكومي – نحو مفهوم لتنظيم التعلم على المستوى الحكومي»، وبرغم أن الأدوات التي جاءت في التقرير ليست كلها جديدة، لكن استخدام تلك الأدوات والحلول على مستوى حكومي لفت الانتباه لأهمية تبنّي التعلم والاستثمار فيه على مستوى استراتيجي، وهذا ما فعلته بالضبط دول أصبح لها السبق في مجالات كثيرة، مثل البرازيل وكوريا الجنوبية وإستونيا وفيتنام ودولة الإمارات العربية المتحدة.

يركز التقرير على أن التعلم من النجاح والفشل سيكون أمراً حاسماً للحكومات والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني أثناء محاولتها تحسين سبل عيش مواطنيها في جميع أنحاء العالم. ويتم ذلك من خلال جعل التعلم والمساءلة هدفين رئيسين، حيث إن المساءلة توجه انتباهنا إلى الماضي، وما قد حدث بالفعل وماذا تعلمنا منه، أما التعلم فيتطلب التركيز على كيفية تحسين النتائج في المستقبل، وتحديد الأدوات والأساليب اللازمة لمعرفة ما الذي نجح وما الذي لم ينجح. ويحتاج الأمر إلى الاستثمار في التعلم حتى يتم جمع الأدلة لعمليات التقييم، واستخلاص الدروس المستفادة، وتحديث السياسات والإجراءات المعمول بها.

لقد استحدث فريق البنك الدولي من خبراء التعلم ما يسمى بـ«سلم التعلم» الذي تم تطويره للمساعدة في سد الفجوة بين إنتاج المعرفة وتطبيقها من قبل المعنيين، فهو يجمع بين الأساليب النظرية والتعلم الفردي والمؤسسي والحكومي. ولسلم التعلم أساس سليم من منظور أكاديمي وتجريبي، حيث يستند إلى نظريات تم تطويرها واختبارها بنجاح، ويركز السلم على أن التعلم هو عملية ديناميكية وتعتمد بدرجة كبيرة على السياق الذي يتم فيه العمل، أي أن العمل مع إدارة حكومية في فيتنام يختلف عن العمل في إدارة مشابهة في البرازيل، فالسياق مختلف ويرتبط بالثقافة والوعي وعوامل متعددة. وقد استغرق استحداث سلم التعلم وتجربته عامين، وقد تنوعت المناطق الجغرافية التي تم تطبيق ذلك الأسلوب فيها، بحيث عمل الفريق مع دوائر حكومية في 10 دول إفريقية، بالإضافة الى بقية قارات العالم.

يركز التقرير على أن إحدى الوسائل الفعّالة لتحسين جودة العمل الحكومي هي التعلم من الممارسات السابقة ومن تجارب الحكومات الأخرى، حيث يساعد ذلك على تجنّب تكرار الأخطاء، ويشجع على تبنّي ممارسات ناجحة من الآخرين. ولكن إلى أي مدى تستطيع الحكومات أو ترغب في التعلم؟ وإذا كان بإمكانهم فعل ذلك فماذا يريدون أن يتعلموا - وكيف؟ هل الطريقة التي يتعلمون بها تختلف عن الطريقة التي يتعلم بها الأفراد أو المؤسسات؟ ما هي الظروف التي يتعلمون فيها بشكل أفضل، وإلى أي مدى يمكن للتعلم أن يعزز قدرة الحكومات على تحسين أدائها؟ هذا ما سيتناوله المقال القادم بإذن الله.

• إحدى الوسائل الفعّالة لتحسين جودة العمل الحكومي هي التعلم من الممارسات السابقة وتجارب الحكومات الأخرى.

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر