المسمريزم ومظاهر السذاجة في المجتمع الأميركي

د. كمال عبدالملك

ذكر صديق لي أنه وقع تحت تأثير التنويم المغنطيسي من قبل سيدة كانت تفخر بأنها معالجة روحانية ضليعة في علوم العلاج بالطاقة، المسمى بـ«الريكي». بعد أن أغمض عينيه، وراح في ما يشبه الغيبوبة، سألته السيدة عما يراه، فقال: «أنا الآن في مصر الفرعونية ومع أميرة فرعونية جميلة». سألته عن اسمها، فقال بعد تردد: «ميسو». عند ذلك قاطعته أنا بقولي: «ميسو»؟ أليس هذا اسم شوربة يابانية شعبية؟ قال: أعرف، وضحكنا.

تذكرت صديقي وأنا أراجع كتاب «السذاجة: التاريخ الثقافي للمسمريزم في الولايات المتحدة الأميركية» (شيكاغو، 2018)، تأليف د. إميلي أوغدن، استاذة الأدب الأميركي في جامعة فرجينيا.

المسمريزم (Mesmerism)، موضوع آسر، بدأ تاريخه العلمي في الجزء الأخير من القرن الـ18 مع الطبيب الألماني فرانز مسمر Mesmer ( 1734- 1815) الذي استخدم التنويم المغناطيسي في علاج المرضى في فيينا وباريس.

حوى كتاب أوغدن تاريخاً دقيقاً بشكل خاص لتجسيدات المسمريزم المتعددة في الولايات المتحدة في القرن الـ19. تبدأ أوغدن القصة، بعد أن أدت الشكوك المستنيرة إلى تخفيض تصنيف مسمريزم الطبيب الأوروبي فرانز مسمر من سجل الاكتشاف العلمي إلى قائمة خرافات الدجالين، وتم ذلك بمساعدة بنجامين فرانكلين، الذي قاد لجنة علمية للتحقيق في هذه الظاهرة، وإعادة تصنيف أداء مسمر، واعتباره تلاعباً بالسذاجة الشعبية.

وتضيف أوغدن أن السحرة الأميركيين انتهزوا هذا التكذيب كفرصة مواتية لنشر ادعاءاتهم بأنهم يمتلكون أشكالاً جديدة من المعرفة والقوة قادرة على التحكم في العامة الذين يتسمون بالسذاجة وسرعة تأثرهم بقوة الإيحاء.

ازدهر المسمريون كطلاب ادعياء لعلم النفس والتأثيرات المنومة. لقد رأوا السحر كأداة للاستخدام المحسوب الذي أرسى مكانتهم كعملاء للحداثة العلمانية. كانت قدرتهم على السيطرة على رعاياهم المغرمين علامة على تفوقهم العقلاني وخبرتهم التقنية، وحسب سرديات أوغدن الممتعة، كانت تلك هي المرحلة الأولى من الترويج للساحر الأميركي.

من ثلاثينات القرن الـ19 إلى الحرب الأهلية، كان من الممكن العثور على الأميركيين وهم يضعون بعضهم بعضاً في غيبوبة التنويم المغناطيسي من أجل المتعة أو الربح في الصالات العامة أو على خشبة المسرح، وفي غرف الاستشارات الطبية أيضاً.

من المثير للدهشة أن هذا التنويم المغناطيسي احتضن مجموعة متنوعة من الظواهر، بما في ذلك التحكم في العقل، وتجوال الروح خارج الجسد، والاستبصار. وقد جذبت هذه الحركة الغامضة انتباه الكاتب الأميركي الشهير رالف والدو إيمرسون، وأشعلت جدالاً واسعاً آنذاك في الصحف الكبرى، لكن السحر في عصر إيمرسون لم يكن مجرد تسلية ومتعة، كما نرى الآن في حفلات الأطفال وعروض الكبار، فالسحرة وقتها ادعوا أنهم قدموا الوسيلة العقلانية الأولى للتلاعب بالميول البشرية الساذجة التي كانت وراء الخرافات الماضية. الآن، بدلاً من الإيمان بسلطة قوى الـ Oracle الأوراكل والآلهة اليونانية القديمة، خدمت هذه الاتجاهات غايات حديثة، مثل الإشراف على العمل والتعليم والتواصل مع قوى خفية. اللافت للنظر هو ما يؤكده الكتاب أن المسمريزم (Mesmerism) لم تكن ارتداداً لعقلية ساذجة، ولا بديلاً للموضوعية العلمية السائدة حينها، بل كانت جزءاً لا يتجزأ من الحداثة في أميركا. بهذا المعنى تقدم لنا اميلي أوغدن في كتابها «السذاجة» طريقة جديدة لفهم مكان السحر في علمنة أميركا.

ازدهر المسمريون كطلاب ادعياء لعلم النفس والتأثيرات المنومة.

باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  

تويتر