مقال

الكلمة التعليمية المُضيئة

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

الكلمة التوجيهية المسموعة المهمة والمُلهِمة التي وجهها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله ورعاه، بمناسبة العام الدراسي الجديد، بأسلوب عاطفي حانٍ، تدل على عظيم عطفه على «عياله» الطلاب والطالبات، وأنه يلامس مسيرتهم التعليمية، ومهتمٌّ لها أجل اهتمام، إنها كلمة لم تسمع أُذنٌ مثلَها أو قريباً منها من رئيس دولة قط، وتشعر الجميع بما للتعليم عند سموه من أهمية بالغة، وما يعول على مخرجاته في بناء الوطن وعزه، حتى يقوم الكل بواجباته نحو تحقيق الأهداف العالية من التعليم.

إن هذه الكلمة الحانية منهج عملٍ دراسي متكامل؛ فقد وضع سموه، حفظه الله، أُسس المرحلة التعليمية التي ينشدها لأبنائه وبناته المنخرطين في التعليم، لتكون خارطة طريق للطلاب والمدرسين وأرباب الأسر والمجتمع والمؤسسات؛ لأن منظومة التعليم متكاملةٌ لا يمكن أن يتحقق المنشود منها حتى يتعاون الجميع لإنجاحها، وذلك من خلال محاور ثلاثة.

الأول هو الطالب الذي حثه سموه على المثابرة في التعليم، وأن لا يقف عند حد، وأن عليه أن يحدد الهدف الذي ينشده، فيصوِّب جهوده عليه حتى يحققه، وأنه لا يمكن أن يكتفي منه بالمعلومات الأولية، بل لابد أن يواصل التَّبحُّر في المعرفة؛ وكلما ازداد الإنسان تبحُّراً فيه احتاج إلى التعمق أكثر، حتى يكتشف جواهره ويجني ثماره، وهذا يعني أن على الطالب أن يتميز في التحصيل، ولا يكتفي بعلامات النجاح المتاحة التي يمكن تحقيقها بأدنى مذاكرة، فإن هذا لم يعد مقبولاً في السياسة التعليمية التي تنشد التطور الهادف لاختراق الآفاق، وإحراز السبق في العلوم الكونية والفضائية، فضلاً عن التقنية والتكنولوجيا.

والمحور الثاني هو المدرس الذي عليه المعوَّل في تكوين الطالب، وغرس الأسس العلمية، والنظريات الدقيقة التي تعطي نتائج ملموسة، وقد كان هذا المعلم محل تقدير سموه؛ لأن المعلم هو الأب الروحي لتلاميذه، وعلى المعلمين أن يفخروا بهذا التقدير، ويكونوا أهلاً له ليزدادوا تقديراً فوق تقديرهم، وجديرٌ بالمعلم أن ينال هذا التقدير من صاحب السمو رئيس الدولة؛ فإنه لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذووه، ورحم الله شوقي حين قال:

قم للمعلم وفِّه التبجيلا.. كاد المعلمُ أن يكون رسولا.

غير أن هذا التبجيل لا يكون إلا للمعلم المتأهل تأهلاً كاملاً، وهو الذي لا يكتفي بما حصله من علم، حتى يتابع التحصيل الذي يمكنه من نقل المعارف باقتدار وإفادة كافية، فإن هو لم يكن كذلك فإنه لا يرجى أن تكون مخرجاته التعليمية مفيدة، وكما قال أمير الشعراء شوقي: وإذا المعلمُ ساء لحظَ بصيرةٍ جاءت على يده البصائرُ حولا

والمحور الثالث: منظومة التعليم المتكاملة، وهي المدرسة والبيت والمجتمع، فكل هؤلاء مسؤولون عن نجاح مسيرة التعليم، فالمدرسة وإن كانت هي معقل التلقي إلا أن البيت هو المُهَيِّئ الأول للتلقي، فرعاية الأب والأم للطالب في البيت أساسٌ لصفاء ذهنه في الفصل الدراسي، وتحضيره لدروسه أولاً بأول هو الذي يعينه على فهم المادة العلمية وحفظها، والمجتمع أيضاً مسؤول عن رعاية الدارسين، وذلك بعدم تعكير الجو المجتمعي بما يشغل أرباب الأسر عن واجباتهم نحو أبنائهم وبناتهم، بالمظاهر أو الإشاعات أو إحداث المعكرات، فالمجتمع الراقي هو الذي يراعي الآخرين كما يحب من الآخرين أن يراعوه.

إن هذه الكلمة الراقية تحمل إشارةً وافيةً على أن التعليم مرتكز بناء الدولة في المناحي التربوية والعلمية والصناعية والطبية وغيرها، فالجيل الموشح بهذا المنهج الأبوي في التعليم لن يكون كغيره من الأجيال، إن هو التزم بهذا التوجيه الحكيم والمنهج الدقيق، فلقد أشعر سموه الجميع بأن التعليم هو أولوية لديه، وأن على الجميع تحمل مسؤولياته نحو تحقيق هذا الهدف الأسمى الذي تسعى له القيادة، وأن التقصير يعتبر إخلالاً بمنظومة التعليم، وبالتالي يعود بالضرر على الأهداف التي يراد تحقيقها من التعليم.

حفظ الله سموه ووفقه وبارك في جهوده، ووفق أبناءنا لتحقيق الطموح المنشود.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

تويتر