شرق.. غرب

المعرفة ليست كل شيء

د. كمال عبدالملك

نشرت Emily Ogden إميلي أوجدن، التي تخرجت عام 2002 في كلية هارفارد، أخيراً، كتابهاOn Not Knowing: How to Love and Other  Essays «حول عدم المعرفة: كيف تحب ومقالات أخرى» (144 صفحة، مطبعة جامعة شيكاغو، 2022)، والكتاب سلسلة من المقالات التي تسأل: «دعونا نرَ ما قيمة الأشياء التي لا نعرفها».

نشأنا في مجتمعاتنا العربية على ضرورة البحث عن اليقين، والارتكان للثوابت، لهذا لربما يجد القارئ العربي ما يتصادم مع نظرياته في الحياة، فهذا الكتاب يؤكّد على مفهوم أنّ لحظات الوضوح نادرة وعابرة، وقد نسأل: كيف يمكننا أن نصبح مرتاحين خارج هذه اللحظات، وأن نتعايش مع حالة عدم اليقين؟

تدعو أوجدن القارئ للتفكير معها حول الأسئلة التي لا تستطيع الإجابة عنها. وتتنقل المؤلفة برشاقة بين وقائع حياتها، من تجربتها عن الولادة والرضاعة إلى فن رعي الماشية، وغرابة قصص إدغار آلان بو؛ من التجديف بقارب الكاياك بالقرب من الحيتان إلى تأمل التحليل النفسي عند لحظات الغرق. ولأنها بدأت حياتها ملتزمة بتراكم المعرفة، وجدت أوجدن أن المعرفة بالنسبة لها يمكن أن تكون عثرة، عقبة تمنعها من العيش حقاً، والاستمتاع بكل دقيقة في الحياة. وعلى العكس من المتوقع، تحتفي المؤلفة بـ«عدم المعرفة» الآن - وربما عدم المعرفة أبداً. وفي النهاية، يوضح هذا الكتاب أهمية قبول فرضية «حدود المعرفة»، وكيف يمكن أن يؤدي عدم اليقين إلى طريقة جديدة للتعامل مع الحياة.

وخلاصة القول في الكتاب هي: مقاومة إغراء المعرفة المستدامة واعتناق موقف الجهل، ولو مؤقتاً، يصبح شكلاً من أشكال حب الحياة والبشر.

سألت مجلة هارفارد المؤلفة هذا السؤال: «في عالم مدفوع بالسعي وراء المعرفة، ما الدور الذي يمكن أو يجب أن يلعبه كتابك (حول عدم المعرفة)»؟

فردت بقولها: «... هناك بعض الأشياء التي يجب أن نكون متأكدين منها، لكن في بعض الأحيان يمكن أن يصبح اليقين عادة. عندما بدأت في كتابة هذا الكتاب، افترضت أنه سيكون من المهم أن أسمح لنفسي بالاحتفاظ بمساحة لعدم اليقين، وألّا أقف في وضعية تعرف دائماً ومقدماً ما أفكر فيه، وما يجب على المرء أن يفكر فيه».

وعن نصيحتها بأنّ على الناس أن يتبنوا الجهل وعدم اليقين الذي يصاحب ذلك، ذكرت أنّ المحللة النفسية «آن دوفورمانتيل» تحدثت عن شيء سمته «الموت ومخاطر معرفة ما لم يأت بعد». ما تعنيه بذلك هو أننا يجب أن نخاطر بألا نصبح أشخاصاً متحجرين، يعرفون بالضبط ما سيأتي بعد ذلك، ويعرفون بالضبط ما يمكن أن نتوقعه من الحياة. من الصعب القيام بذلك، لأن من المريح أكثر معرفة ما يمكن توقعه من الحياة. لكن المؤلفة تعتقد أنه عندما نعرف الكثير عما يمكن توقعه، فإننا لسنا أحياء حقاً.

وتؤكد المؤلفة على ضرورة أن يكون الفرد مدركاً بشكل كافٍ لاحتمال الخسارة أو المخاطرة، بحيث يشعر ببعض الخوف، لأنه من دون ذلك، سيجد أنّه يحيا حياته مثل كابتن الطائرة الذي لا يسيّرها بنفسه، بل عن طريق الطيار الآلي «autopilot».

التعايش مع عدم اليقين هو أن تكون مستعداً لأن تسير على الحافة الخطرة لمنحدرات الخبرة، ما لم تكن مستعداً لهذا فإنك ستفقد شيئاً مهماً لمعنى أن تكون على قيد الحياة.

خلاصة القول في الكتاب هي: مقاومة إغراء المعرفة المستدامة واعتناق موقف الجهل ولو مؤقتاً.

 باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

تويتر