مساحة ود

البدايات المبكرة

أمل المنشاوي

تدهشنا فكرتها، ونستبعد أن تكون واقعاً ناجحاً، فنحاول تأخيرها بكل ما أوتينا من سبل، نخبرهم أن سواعدهم مازالت غضة، ومعارك الحياة طاحنة.

ترفض قلوبنا المتلهفة إطلاق أجنحتهم للريح العاتية، أملاً في إبقائهم بجوارنا حتى اللحظة الأخيرة، وتخشى عيوننا عليهم زخات المطر ونسيم الصباح على ما فيهما من متعة وجمال.

يقض مضجعنا القلق إن أخبرنا أحدهم قصته أو مشكلته، وتقذف علامات الاستفهام رؤوسنا بلا هوادة، كيف لهذا العود أن يقاوم؟

هكذا حالنا مع أبنائنا حين يحاول أحدهم اختبار العالم من حوله مبكراً، عملاً أو سفراً أو حباً، نظن أننا قادرون على حمايتهم والقيام بكل الأدوار نيابة عنهم، وتأخير وضعهم على طريق المسؤولية، طالما منحنا الله القدرة على حملها بدلاً منهم.

نسوق الحجة تلو الأخرى؛ تارة بدراستهم أو قلة خبراتهم، وأخرى بانعدام قدراتهم، حتى نفيق إما بالصدام معهم أو بالانبهار من إمكاناتهم، وانفتاح رؤيتهم للناس والأشياء حولهم.

جيل الألفية الثالثة - بكل صخبها وتطورها - متعدد المواهب، لديه من الوقت ما يمكنه من فعل الكثير، ومن الظلم حصره في دائرة الدراسة فقط، خصوصاً من أنهوا المرحلة الثانوية، فالانتظار لما بعد إنهاء الجامعة دون اختبار الحياة العملية أحد أكبر أسباب بطالة ما بعد التخرج، حيث السيرة الذاتية بلا سابقة أعمال أو خبرات أو تدريب، ما يعرّض الشاب والفتاة لإحباط كبير، قد يستغرق سنوات غالية من العمر.

فرص العمل والتدريب والإنتاج متاحة في الواقع وعبر الإنترنت، المهم أن نتفهم - نحن الآباء والأمهات - أن زمانهم مختلف عن زماننا، ونتعامل مع شغفهم وأحلامهم باحترام، ونقدم لهم الدعم الذي يتوقعونه.

نعم مازالت سواعدهم غضة، لكن عقولهم فتية، واستيعابهم كبير، فكم مرة استعان أحدكم بابنه أو ابنته لحل مشكلة تقنية في هاتفه! وكم مرة شعرنا بالامتنان لرب العالمين حين أوكلنا لأحدهم حل مشكلة أخيه الأصغر أو تعليمه أو تعديل سلوكه، وحقق نتائج مبهرة!

أطلقوا إمكانات أبنائكم، وامنحوهم فرصة البدايات المبكرة، وما تحمله من نجاح عظيم وخير مؤكد، وأخرجوهم من عباءة الخوف والحدب الطفولي، واخلقوا لهم فرصاً للتدريب والعمل بجانب الدراسة، وشجعوهم على اختبار الحياة العملية بكل فنونها، من حديث وتواصل وإنجاز واحترام للوقت وللآخرين، وأثقلوا شخصياتهم ومهاراتهم، فالعالم تغير كثيراً من حولنا، وأصبح الفراغ فخاً مفزعاً، إن لم نملأه بالمفيد، ملأه الغث، وعمته الفوضى.

أطلقوا إمكانات أبنائكم، وامنحوهم فرصة البدايات المبكرة، وما تحمله من نجاح عظيم وخير مؤكد، وأخرجوهم من عباءة الخوف والحدب الطفولي، واخلقوا لهم فرصاً للتدريب والعمل بجانب الدراسة.

@amalalmenshawi

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  

تويتر