5 دقائق

نعم أنت اليوم غائب

محمد سالم آل علي

بالأمس دعاني أحد الأصدقاء وألحّ عليّ بالقدوم، وما أن عرفت المدعوين حتى سارعت إلى تلبية الدعوة كونهم زملاء الدراسة ممن قضيت معهم أجمل أيام الشباب ما بين مغامرة هنا وشقاوة هناك.

وكما هو معلوم فإن جلسات هكذا لابد وأن يتخللها الحكايات والأقاصيص، ولابد أيضاً من أن تستدعي الذاكرة طلباً لأجمل اللحظات وأطرف التفاصيل؛ فذاك الذي ذكّرني بأستاذ الفيزياء الذي جعل مني شغله الشاغل لما كان يراه مني من مشاغبة وتشويش على الدرس، وآخر تحدث عن معاناته مع أستاذ اللغة العربية الذي كان يتحرّى له الأخطاء ويحرجه أمام بقية الطلاب؛ أما الأكثر لفتاً للانتباه فهو ذاك الصديق الذي تحدث عن مهاراته في تجنب تسجيل أيام الغياب وساعات التأخير، سواء له أو لأصحابه، فتارة كان يوكل أحد الطلاب المقربين منه بتقليد صوته عند التفقّد، وطوراً كان ينادي بالحضور عن صديقه الغائب، أما الأدهى فهو أنه كان يصرّ، عند تأخره، على أنه موجود منذ الصباح وأن المراقب هو الذي لم ينتبه لوجوده مستشهداً بأصحابه الذين كانوا كثيراً ما يؤكدون كلامه ويجزمون بصحته.

لاشك أن إيجاد حلول لمثل تلك المشكلات صار اليوم من أيسر المهمات، لكن يبقى التوسع بالتطبيق؛ فمعظم المؤسسات التعليمية حول العالم مازال يأخذ الحضور يدوياً عبر استدعاء أسماء الطلاب خلال ساعات المحاضرة أو الدرس ومن ثم تدوينها في السجل أو مقارنتها مع ورقة تضم سائر الأسماء، وهناك البعض القليل ممن اعتمد أنظمة القياسات الحيوية أو زوّد الطلاب ببطاقات مغناطيسية يستخدمونها عبر قارئ خاص؛ إلا أن هذه الأساليب يعيبها الكثير بدءاً من الطوابير الطويلة عند جهاز القزحية، والوقت المستغرق في تمرير جهاز البصمة لجميع الطلاب أثناء الدرس ما يفقدهم تركيزهم، وصولاً إلى احتمالية تزييف البطاقات المغناطيسية وإساءة استخدامها.

لعلكم علمتم الحل هنا قبل أن استفيض بتبيانه، ألا وهو الاستعانة بأنظمة الذكاء الاصطناعي؛ وهو لأجل التنويه مفهوم قديم جديد شُرع بتطبيقه تجريبياً في كل من الصين والولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى، وبالطبع أيضاً في دولة الإمارات ضمن برامج المدرسة الذكية والتعلم الذكي.

فعبر هذه الطريقة لا يحتاج الطلبة للوقوف مطولاً أمام أجهزة التصوير، بل إن الكاميرات المثبتة في الفصول والبوابات تمسح الوجوه لحظياً وتقارنها بقاعدة البيانات، وهي تتابع الطلاب لحظة بلحظة من بوابة الدخول وحتى جلوسهم لاحقاً على مقاعدهم الدراسية، وأيضاً في وقت الاستراحة والنشاط، وما من فرصة أمام الصديق سالف الذكر للتملّص أو خداع النظام.

وبما أن مثل هذه الأنظمة تستند بشكل رئيس على قوة المعالجة الحاسوبية، إضافة إلى حاجتها الملحة لتخزين حجم كبير من المعلومات، فإنها اليوم مجابة الطلب، فعصرنا رقمي بالدرجة الأولى، وأساسه البيانات الضخمة وأسرع المعالجات.

ولعل المسألة تكون أبسط من ذلك وأقل كلفة بكثير، حين يأتي يوم يمسك فيه الطالب بجهازه المحمول ويصور نفسه عبر تطبيق محدد لهذا الغرض، بينما تتحقق أنظمة الذكاء الاصطناعي من مطابقة الشكل والصورة؛ وأنظمة التموضع الجغرافي من المكان والزمان التي يقتضي وجوده داخل حرم المدرسة أو الجامعة.

إن مراقبة الحضور هي إحدى العمليات الإدارية الحيوية في جميع المؤسسات التعليمية، ووجود النظام المُحكم التنظيم سيساعد تلك المؤسسات على تحقيق مستهدفاتها التعليمية على أكمل وجه، وخصوصاً إذا ما علمنا أن تلك النُظم شعارها الذكاء والدقة، فلا الغائب موجود ولا الحاضر مفقود.

مؤسس سهيل للحلول الذكية 

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  

تويتر