5 دقائق

المستقبل آتٍ، فهل التعليم حاضر؟

محمد سالم آل علي

على الرغم من أن قطاع التعليم واجه الكثير من الصعوبات والتحديات خلال العقود الماضية، إلا أنه أثبت حتى الآن قدرته على تجاوز مختلف الشدائد والمطبات؛ فهو الذي انتقل بسلاسة من الطرائق التقليدية نحو التفاعلية، واستفاد من التقنيات المعاصرة في إعادة تشكيل مفرداته وأساليبه، كما نجح في تضييق الهوة بين أهداف المنهج ومخرجات التعلم، حتى أنه عبر المسار الأصعب ما بين الجائحة وانحسارها.

لكن تبقى حالة من عدم اليقين ترتبط بالقادمات، فلا أحد فعلاً يستطيع التنبؤ بالمستقبل، ولا أحد يمكنه فهم وتحليل كل العلامات؛ أي أننا، وإن كنا قد نجحنا حتى الآن بتجاوز معظم العقبات، فما ندري ما يتوارى أمامنا من مفاجآت.

وحتى لا أطيل أكثر، فإنني سَأقْصِر وأعود إلى موضوع التعليم، والذي لا شك يرتكز على ثلاث راسيات؛ تتمثل الأولى بالطلبة والدارسين، والثانية بالمدرسين والمعلمين، أما الثالثة فهي المؤسسة التعليمية ومن يقوم عليها من مديرين ومشرفين؛ ولكي ننجح في استشراف المستقبل وتخيله على أكمل وجه، يجب علينا وضع مقاربات متعددة تتطرق لكل تلك المكوّنات؛ ولنبدأ بالطلاب وهم الهم والاهتمام، ولابد من أن نقدم لهم ما يناسبهم ويربط خبراتهم بالعالم الذي بانتظارهم، أي يجب تكييف المواد التعليمية وأهدافها مع احتياجاتهم، وأن يتم تصميم جميع المناهج الدراسية بغرض تحفيزهم وتعزيز معارفهم ومهاراتهم، فهم اليوم شركاء عند الاختيار وروّاد عند الابتكار.

والأهم هو إعدادهم بما يتناسب مع الحياة في عالم المستقبل عبر تحديد الكفاءات والمهارات ذات الصلة وآليات اكتسابها، وتقديم محتوى تعليمي عالي الجودة يوائم ما بين المتطلبات المجتمعية المتطورة وما بين المخرجات العملية المتوقعة.

أما فيما يخص المعلمين، فهم مازالوا اللاعبين الرئيسين ويجب الاستثمار بهم، خصوصاً وأن التجارب أثبتت أن دورهم لا غنى عنه مهما تطورت التقنيات والآليات، بل إنه ينمو ليتكيف مع تلك التغيرات، فهم غداً ميسّرو معرفة لا مُلقّنون لها، وعليهم تطوير إمكاناتهم الرقمية والافتراضية وتوظيفها في سبيل تدريب الطلاب على التفكير النقدي وحل المشكلات، كما أن عليهم أيضاً أن يكونوا محللين وباحثين وخبراء وجامعي بيانات، وأيضاً واضعي خطط وأجندات.

ونأتي إلى المؤسسات التعليمية وما يُطلب منها من خيارات واستراتيجيات، وتحديداً مهمتها المستقبلية التي صارت اليوم بحاجة للمراجعة وإعادة التقييم، فنحن ننتقل بشكل كامل من مجتمع تقليدي إلى آخر قائم على المعرفة وتكنولوجيا المعلومات، وعليها من اليوم البدء بإنتاج المخرجات المعرفية التي تحاكي متطلبات هذا المجتمع من أدوات وكفاءات، فمهن المستقبل سيرسمها الذكاء الاصطناعي، أما ما سنتعلمه غداً فسيفرضه حتماً التوجه الرقمي.

والأمر الجلي هو أن المعرفة أمست متاحة للجميع بفضل الإنترنت، ويجب على المؤسسات التعليمية التعايش مع هذا الواقع من خلال تبنّي المفاهيم الجديدة؛ كتوفير فرص التعلم مدى الحياة؛ وخلق البيئات التعليمية الديناميكية؛ إضافة إلى فتح عنابرها أمام ملتمسي التعلم الذاتي؛ كما أن عليها أيضاً أن تتيح لطلابها إمكانية العمل في سياقات افتراضية مع طلاب آخرين من جميع أنحاء العالم وصولاً إلى إشراك الجميع في إنتاج المعرفة والعمل على نشرها.

وفي نهاية هذا الكلام، أرى أن مستقبل التعليم في العالم مازال ضمن إطار من السيطرة والتحكم، وهو إطار قابل للتعزيز مع استقراء التحديات الجديدة والإسراع باتخاذ الإجراءات؛ كما إنني أثق أيضاً بالعلوم وتطبيقاتها، فكل مشكلة قادمة لا يتوقعها أحد، لابد أن تتصدى لها تقنية جديدة مهما طال بها الأمد.

مؤسس سهيل للحلول الذكية 

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر