5 دقائق

مطلوب «روبوت» من ذوي الخبرة

محمد سالم آل علي

لا ينفك الذكاء الاصطناعي عن إثبات تفوّقه المذهل في شتى المجالات، وفي كل يوم يدور الحديث حول إنجازات وخروقات علمية تحققها الحواسيب والروبوتات، لدرجة أن مجالات كانت عسيرة في الأمس القريب، كالمهام المعرفية، أصبحت اليوم في نطاقه ومرماه؛ فقد أضحى يحلل ويستنتج، ويفكر ويبتكر، ويقود المركبات ويجري العمليات الجراحية، وأيضاً يرسم ويلحن، حتى إنني لا أستغرب إن صار يكتب الشعر ويؤلف الروايات، فكل شيء صار معقولاً وممكناً.

والواضح هو أن التغيرات التقنية سريعة جداً إلى الدرجة التي فاقت القدرة على استيعابها، فحتى الوظائف الآمنة، والتي كان يتعذّر على الحواسيب أداؤها، صارت الآن مؤتمتة بفضل تطبيقات التعلم الآلي؛ إلى أن وصل المدُّ إلى المهن ذات المهارات العليا، وبعد أن كان الروبوت في الماضي القريب يضطلع بتولي المهام الروتينية التي يؤديها العمال ذوو المهارات المنخفضة، أصبح اليوم يستهدف الشواغر في فئة المهنيين والمختصين، وأيضاً لدى المهندسين والقانونين، وحتى التخصصات الثقافية والاجتماعية لم تسلم من هذا الوافد الجديد.

ومما يساعدنا على استقراء ملامح التهديد القادم هو توقعات الأمم المتحدة التي تشير إلى أن سكان الأرض، وبحلول عام 2050، سيلامسون المليارات العشرة، ومنهم ستة مليارات سيكونون في سن العمل؛ ولا تشذّ عن ذلك توقعات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، والتي ترى أن 50% من أنشطة العمل الحالية ستتم أتمتتها مع حلول العام المذكور، بينما ستصل تلك النسبة إلى 80% في العقود التالية.

إن هذه الصورة المستقبلية، وإن بدت بحلّة قاتمة، بيد أن جوهرها مشرق إلى أقصى الحدود، والتاريخ مليء بالشواهد على ذلك؛ فما من خطوة خطتها البشرية إلا وتلتها حالة من الرفاه والفرص الجديدة، فمن الصيد إلى الزراعة، ومن الزراعة للصناعة، حتى وصلنا إلى ما يسمى اليوم بالثورة الصناعية الرابعة بكل ما تحمله من وعود وآفاق.

وما يهمنا هنا هو أن الذكاء الاصطناعي، وفي خضمّ ثورته، سيتولى حتماً المزيد من المهام، وقد يتسبب نظرياً في فقدان البعض لوظائفهم، لكنه في الواقع لن يتسبب في بطالة جماعية كما يخشى معظم الناس، بل على العكس تماماً سيتم تعويض جميع تلك الوظائف بأخرى أكثر تعقيداً وإبداعاً؛ والكثير من الدراسات والتقارير تصبّ في هذا السياق، ومنها ما جاء به المنتدى الاقتصادي العالمي الذي أشار إلى أن الثورة الصناعية الرابعة التي يقودها الذكاء الاصطناعي ستسهم بزيادة قدرها 26% في الناتج المحلي الإجمالي العالمي مع قدوم العام 2030، بينما ستعمل الوظائف الجديدة الناجمة عنها على تعويض تلك التي سيتم أتمتتها بأكثر وأكثر.

لكن الأبحاث نفسها نبّهت إلى إشكالية واحدة تكمن في أن الوظائف التي سيتم إنشاؤها هي ذات طبيعة مهارية وتقنية، وحتى يتمكن الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم من الانتقال لهذه الأدوار الجديدة لا بد لهم من جولات كبيرة من الدراسة والتدريب؛ وتلك مهمات تتطلب تكاتف الجميع، حكومات ومؤسسات ومنظمات، وعليهم إعمال الجهود في مجالات التعلم وصقل المهارات، حتى ولو احتاج الأمر إلى مراجعة أنظمة التعليم العالمية وإعادة تأهيلها بالكامل؛ لأنه وببساطة من يتمتع بالمهارات اللازمة هو الوحيد القادر على التكيف والبقاء في هذا العالم المتجدد.

إن الذكاء الاصطناعي ماضٍ في تغيير وجه العالم، ومستقبل البشر على المحك إن لم نخطط له من الآن؛ لأنه حين نُفلح في إعداد المجتمع وأنفسنا لهذا المستقبل، عندها فقط سننجح في احتضان فوائده والقطف من ثماره.

• التغيرات التقنية سريعة جداً إلى درجة فاقت القدرة على استيعابها.

مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر