5 دقائق

الإدارة في العصر الرقمي

محمد سالم آل علي

لطالما استوقفتني تلك التغيّرات المذهلة التي طرأت على العالم مع بزوغ الفجر الرقمي، ولا أظنني أبالغ حين أقول إن التقنيات الرقمية قد وضعت حداً فاصلاً في الزمان، عنوانه ما قبل وما بعد؛ حتى إنني أصبحت أشعر، ولشدة التغيرات التي أشهدها، بأنني أعيش فعلاً في قلب المستقبل، وليس على أعتابه!

وبالطبع لا أريد الإسهاب في هذا الموضوع، فالمساحات مهما كبرت لن تفي الحديث حقه، والكلام قد يطول سطوراً وصفحات؛ ولذا فقد آثرت التركيز على جوانبه الإدارية والتنظيمية لما لها من يدٍ عليا حين نتحدث عن تعزيز التطور وتقوية المزايا التنافسية؛ فنحن اليوم في طور الانتقال إلى بيئة جديدة تماماً، ويجدر بنا استيعابها والتعامل معها بأفضل ما يكون، فالتحول الرقمي لا يقتصر بتأثيره على الجوانب التقنية للصناعة والاقتصاد، بل إنه يخلق تحديات جديدة في مجال إدارة المؤسسات والموظفين؛ تحديات جمّة مهدت الطريق أمام ظهور مفهوم جديد يطلق عليه اسم «القيادة الرقمية».

و«القيادة الرقمية» لا تعني هنا أن نأتي بإنسان آلي أو «روبوت» ونعهد إليه بإدارة المؤسسة، وإنما هي مجموعة من المهارات والسمات التي يحتاجها المديرون لمواجهة تلك التغيرات العميقة في بيئة الأعمال؛ فالأسواق والخدمات لم تعد كما كانت، والمستهلكون غيروا من أنماط حياتهم، والأنشطة الاقتصادية أصبحت أكثر ارتباطاً بتكنولوجيا المعلومات، أما اللاعبون الجدد فهي وسائل التواصل الاجتماعي، والذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، والحوسبة السحابية.

وهكذا فقد باتت مؤسسات اليوم في حاجة مُلحّة إلى التغيير، ليس من ناحية أتمتة الأنشطة أو الخدمات فحسب، وإنما يجب تكييف المؤسسة بكاملها مع الظروف الجديدة، وبناء أنظمة الحوكمة الرقمية التي تتناسب مع نشاطها، ومن ثم خلق المعرفة التنظيمية المرتبطة بها، وصولاً إلى إدارة هذه الأنظمة وتطويرها ونشرها على جميع المستويات والهياكل الإدارية.

ولكي تنجح المؤسسات في هذا المسعى، عليها أولاً البدء بإعادة تصميم آليات اتخاذ القرار، وتأسيس هيكل هرمي مرن يدمج ما بين الذكاء الاصطناعي وما بين الكفاءات الإدارية لفريق العمل، ونحن لا نُشير هنا إلى مجرد كفاءات وخبرات رقمية، بل إلى كُلٍّ متكامل يضم بين جناحيه جميع مناحي الإدارة الناجحة.

إن ما أريد أن أصل إليه من وراء كل ما ذكرت هو أن استشراف المستقبل يتطلب وجود موظفين أكْفاء من الناحية التكنولوجية وأكثر استباقية في فهم متغيرات السوق؛ والدور هنا على مديري الموارد البشرية ومساعديهم من مسؤولي رأس المال البشري، ولابد لهم من استحداث طرق جديدة للتعامل مع عمليات التوظيف، كالبحث بين أروقة المؤسسات التعليمية عن أفضل مخرجاتها، والانخراط في عمليات التوظيف الذكية لجذب المرشحين الأكثر كفاءة وتأهيلاً، وسبر المنصات الإلكترونية في طلب الشباب الطموحين الذين يشكلون الشريحة الأكبر من مستخدميها؛ وحتى تكتمل الصورة لابد لهم أيضاً من تصميم برامج التعلم المستمر، وتوفير إمكانات التطوير المهني لجميع المهارات والمفاهيم الجديدة؛ فالنتائج العالية للمؤسسات لا يمكن تحقيقها إلّا عندما يمتلك موظفوها جميع القدرات والمعارف اللازمة لمواكبة المتغيرات كافة.

ولأننا نعيش اليوم في رحاب دولة الإمارات التي أسست لريادة رقمية في مختلف المؤشرات العالمية، واتجهت نحو حكومة رقمية بالكامل عمادها البيانات؛ فإننا نضع الكرة الآن في ملعب مؤسسات القطاع الخاص، وعليها البدء على الفور بإجراء إعادة صياغة شاملة لجميع نماذجها وهياكلها التنظيمية، والرمي بكل مواردها وطاقاتها مواكبةً لتلك التوجهات، واختيار قياداتها الرقمية القادرة على فهم المتطلبات وقيادة التحوّلات.

• استشراف المستقبل يتطلب وجود موظفين أكْفاء من الناحية التكنولوجية وأكثر استباقية في فهم متغيرات السوق.

مؤسس «سهيل للحلول الذكية»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر