5 دقائق

عضو مجلس الإدارة

محمد سالم آل علي

على الرغم من أن أنظمة حوكمة الشركات المعاصرة كانت قد بدأت خطواتها الملموسة مع بداية القرن الـ21، إلا أنها لم تنجح حتى الآن في تلافي الإخفاقات الإدارية التي أدت إلى العديد من فضائح الشركات العالمية وفشلها على الصعيد الاقتصادي؛ فالمؤسسة وإن تمتعت بأفضل حوكمة من حيث الهيكل والتنظيم، أو جمعت في مجالس إداراتها أنجح الأعضاء على الصعيد الفردي، فإن مآلها قد يكون أحياناً العجز وخيبة الأمل عندما يعاني مجلس إدارتها خللاً جسيماً في كيفية عمله.

ولفهم هذه المسألة علينا أن ندرك بأن ما يدور في غرف الاجتماعات هو في الواقع حصيلة لتفاعل جوانب ثلاثة، أولها هيكل الحوكمة المؤسسية وبنيتها التنظيمية، وثانيها ثقافة الأعضاء ومستوى خبراتهم، أما ثالثها فهو سلوكياتهم وطباعهم الشخصية؛ وقد يقود الخلل في أي طرف من أطراف هذه المعادلة إلى نتائج وتداعيات على الشركة والمؤسسة.

إن الإشكالية الكبرى التي تواجه هذه المعادلة لا تكمن في قوانين الحوكمة المؤسسية بقدر تواريها في الطبيعة البشرية نفسها؛ فمجالس الإدارة تتألف عموماً من كبار الشخصيات ورجال الأعمال المعتادين دوماً على قيادة الفريق واتخاذ القرارات، وبالتالي يصعب عليهم قبول أن يكونوا أعضاء متساوين فيه؛ كما أن الكثير منهم قد يوافقون على الانضمام إلى مجالس ليس لأنها تناسبهم، وإنما من منطلق رغبتهم في العمل التطوعي وخدمة المجتمع؛ أو سعياً لتحقيق غايات وأجندات محددة، كالرغبة في السيطرة على المؤسسة مثلاً، أو توجيه جدول الأعمال نحو قضايا معينة، ناهيك عن أولئك الأعضاء الذين يفتقدون الخبرة ممن يتم تعيينهم أو انتخابهم دون أن يكون لهم أي دراية كافية.

وعلاوة على ذلك أيضاً يأتي رئيس مجلس الإدارة الضعيف؛ والذي يعد عاملاً مسرعاً لظهور الخلل الوظيفي، لأنه حينها سينخرط الأعضاء في صراعات على المنصب، ويفقدون تركيزهم على المؤسسة وعلى ضمان نجاحها.

وتنعكس هذه العوامل جميعها سلباً على أداء المجلس، فتظهر السلوكيات غير الناضجة في غرفة الاجتماعات، كالغضب واللوم واختلاق الأعذار، وتسود الأنانية والنزعة نحو السيطرة، وتغيب المشاركة النشطة وتُفوّت الاجتماعات، ويتراخى الأعضاء ويتجاهلون التزاماتهم، ويظهر تضارب المصالح عاملاً مؤثراً في صنع القرار؛ أما روح الفريق فتختفي تماماً لتتلاشى معها مسؤوليات المجلس ومصداقيته أمام باقي المستثمرين والجهات الأخرى المكونة للمؤسسة.

إن دراسة هذا الواقع تقودنا إلى استقراء بعض الحلول واختبار صلاحيتها؛ فعند اختيار أعضاء المجلس لابد من مراعاة امتلاكهم للمعارف والخبرات التي تتلاءم مع حجم المؤسسة وطبيعة نشاطها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى رئيس مجلس الإدارة الذي يجب أن تُميّزه أيضاً العلاقة المثمرة مع جميع الأعضاء الآخرين.

كما أن الحوكمة المؤسسية وإن كانت تضمن وجود خط واضح ومتفق عليه تتقاطع عنده مسؤوليات مجلس الإدارة، إلا أن تطبيقها السليم يتطلب المزيد من المراجعات والآليات التي ترمي إلى تعزيز روح الفريق، وتشجيع الثقة المتبادلة، واعتماد المناقشة المفتوحة سبيلاً نحو النضج الإداري.

ولعل حجر الزاوية هنا يتمثل بالتعلم المستمر، فالمجالس التي لا توفر إمكانات التعلم تُضيع الفرص وتقلل من فاعلية أعضائها؛ لذا فإن المطلوب هو اعتماد برامج تدريبية متخصصة، ومؤتمرات وندوات تُدرّب أعضاء مجلس الإدارة، ليس فقط على الحوكمة والمهارات التنظيمية، وإنما أيضاً على المهارات الشخصية والمعرفية، كل ذلك ضمن منظومة من التقييم المستمر تتكامل فيها عناصر السلوك والشخصية جنباً إلى جنب مع الأداء والمكونات الوظيفية الأخرى.

* مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر