٥ دقائق

تقدّم الدول لا يحدث صدفة

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

«تقدّم الدول لا يحدث صدفة، وإنما بالعلم الصحيح، والفهم، والتفاني، وليس بالخطب الرنانة، والوعود الحالمة»، هكذا يقول رُبَّانُ السياسة، والاقتصاد، والبناء الحضاري، والحكمة والأدب والفروسية والشهامة والإنسانية.. وما شئتَ من أوصاف الرجولة، والأخلاق الإسلامية والعربية؛ إنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، يقول ذلك مخاطباً متابعيه في الـ«تويتر»، البالغ عددهم أكثر من 10 ملايين متابع، كأكثر متابع بين زعماء العالم، ليوصل هذه الكلمة التي ينضوي تحتها كلامٌ كثير، على حد قول ابن مالك في ألفيته: «وكِلْمةٌ بها كلام قد يُؤم» أي يقصد.

لقد أفاد سموه في هذه الكلمة البليغة أن الأمم والشعوب قد سئمت من الكلام الذي لا واقع له، ومجَّ أسماعَها رنينُ الخطب وضجيج المنابر، فهي تسمع جعجعةً ولا ترى طحناً كما يقول المثل السائر، الأمم لا تريد أقوالاً تشَدُّقية وعاطفية وجماهيرية تحشيدية.. تريد أن تجد حياة كريمة، تلمس فيها القانون العادل، وفرصة العمل لإعفاف النفس والعيال وللعطاء والمساهمة في البناء، وتريد الأمن المستتب، وتريد المرافق الصحية، والمؤسسات التعليمية والتأهيلية، تريد أن تجد العيش الصافي الخالي من النكد، تريد أن تسير في مسير العالَم المتحضر، تريد أن ترتقي بالعلم وتتزكى بالأخلاق، تريد المشاركة بالرأي واحترام الرأي الآخر، تريد أن تكون في مصاف الدولة المتحضرة، تريد فقهاً في الدين وثقافة معرفية.. إلى غير ذلك من متطلبات الحياة، فأين تجد هذا كله أو بعضه؟! قد لا تجده في العالم الأول كما يسمى، وقد تجده في قليل من بني الإنسان وفي بعض البلدان، لكنه يوجد كله في دولة الإمارات العربية المتحدة، بحمد الله وفضله، تجده في هذا البلد الذي آلت قيادتُه، إلا أن تكون الرائدة في كل ما يمكن الوصول إليه عادة، فالقيادة حفظها الله لا تقول ما لا تفعل، بل تفعل ما لا تقول، ليكون الفعل هو الكلام المفيد، فترى ما يسرك سماعُه في واقع الحياة، أمناً مستتباً، وعدلاً ضارب الجذور، وعيشةً هنيئةً مُرضية، وتقدماً مطرداً لا حدود له، وفوق ذلك وقبله تلاحم القيادة بالشعب، وتبادل المحبة بما يعجز عنه التعبير، فترى القيادة تتبارى في خدمة الشعب، أيُّهم أكثر عطاءً وبذلاً، وأيهم أكثر حرصاً ونفعاً، فلا يكاد يجد الرائي تفاوتاً بين السبع الإمارات الجواهر، وكأنها حِلقةٌ مفرغَة لا يُدرك أين طرفاها، وهنا تتحدث الأفعال، فتسمِع من به صممُ، وتُري الأعمى بحس البصيرة ما لا يراه بحس البصر، وهذا ما يريده الناس، وكما يروى عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه: «إنكم إلى أمير فعّال أحوجُ منكم إلى أمير قوال»، وقد وجد شعب الإمارات هؤلاء الأمراء الفعالين للخير، والموصلين الخير للغير، بلا منّة ولا ضير، لعلم هذه القيادة الكريمة أن القول بدون الفعل كما هو مذموم عند الناس فإنه مذموم عند رب الناس سبحانه، كما قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾.

إن الأفعال التي تتوالى بتوالي الأيام والليالي، وكل جديد منها يُنسي ما قبله، وكلها تشهد على أن الله تعالى قد حبى شعب الإمارات هذه القيادة المخلصة المباركة التي تعيش لتعمل، وتعمل للمستقبل أكثر مما تعمله للحاضر، وتؤطِّد العمل بالإخلاص الذي هو سبب للبقاء والثبات، وبالشكر للواهب المنان سبحانه بإسداء الخير إليه سبحانه، لأنه هو الوهاب المتفضل بِراً وإحساناً، فله الحمد والشكر والثناء الحسن سبحانه.

إن الأمم التي خلدت نفسها في الحضارة اليونانية والإغريقية والحضارة الإسلامية الأندلسية؛ إنما خلدت نفسها بالعمل الذي تشهد البشرية لها بأنها كانت تعمل للأمة، ولسان المقال يعرف من الشواهد التي تقول:

هذه آثارُنا تدل علينا * فانظروا بعدنا إلى الآثارِ

وستُنبئ الأيام القادمة أن شواهد الحال التي تركتها تلك الأمم، هي نقطة صغيرة أمام ما تفعله وستفعله دولة الإمارات العربية المتحدة للحاضر والمستقبل.

فعلى الناس أن يستشعروا همة هذه القيادة ليكونوا عوناً لها لتحقيق ما يعجز عنه غيرها، بفضل صدقها، وإخلاصها، وسخائها، وحسن تخطيطها، واستثمارها بالعلم وبناء الإنسان.

فاللهم احفظ هذه القيادة وأتمم لنا النعمة وأسبغ علينا العطاء واجعلنا من الشاكرين.

• «كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر