5 دقائق

الممكن وغير الممكن

الدكتور علاء جراد

إن من أهم مصادر ضغوطنا النفسية وقلقنا في الحياة هو عدم رضانا عن أنفسنا، أو محاولتنا أن نعيش حياة أخرى غير حياتنا، أو أن ننشغل كثيراً بكيفية تفكير الناس فينا، بل إن كثيراً من تصرفاتنا تكون مدفوعة بالخوف من كلام الناس، فهذا الأب يغالي في مهر ابنته حتى لا يقول الناس إنه أهمل في حقها، وهذه الزوجة تبالغ في تحسين شكلها حتى تبدو جميلة مثل الباقيات، حتى وإن بدت مجرد نسخة أخرى. لو توصلنا لحقيقة بسيطة مفادها أن هناك أموراً لا داعي أن نفكر فيها كثيراً أو نشغل بالنا بها ولو لثوانٍ، كما أن هناك أموراً أخرى هي الجديرة بأن تأخذ كل اهتمامنا وتركيزنا لاسترحنا كثيراً، وتغيرت حياتنا وتحولت الى السعادة والرضا عن النفس.

استوقفتني تأملات الفيلسوف اليوناني «إبيكتيتوس»، الذي تم تجميع خلاصة فلسفته في كتاب «المختصر»، حيث يقول إن سعادتنا وحريتنا منوطة بفهم مبدأ مهم، وهو أن هناك أشياء في إطار تحكمنا وقدرتنا، وأشياء أخرى ليست في إطار تحكمنا وقدرتنا، فإذا أدركنا تلك الحقيقة وتعاملنا معها فسنشعر بالسلام الداخلي وراحة البال. فمثلاً من الأشياء التي تقع ضمن تحكمنا؛ آراؤنا، تطلعاتنا، رغباتنا، طموحاتنا، والأشياء التي لا نحبها، كل هذه الأشياء لدينا القدرة على التحكم فيها، ويمكننا اختيار ما نفعله حيالها، لكن هناك أشياء مثل نوع جسمنا، ولدنا أغنياء أم فقراء، نظرة الناس لنا ومكانتنا في المجتمع، تلك الأشياء لا دخل لنا بها، على الرغم من إمكانية المحاولة لتغييرها ولكننا نرثها أو نكتسبها بمجرد الميلاد. إن الأسهل والأكثر فاعلية هو العمل على الأشياء التي في محيط تحكمنا بدلاً من إضاعة الوقت والمجهود على الأشياء التي ليست في محيط تحكمنا، ببساطة لأنه من السهل الحصول على نتائج إيجابية وسريعة اذا ادخرنا مجهودنا وطاقتنا لما بين أيدينا.

إن البعض يوقف عجلة حياته عن العمل الجاد لانشغاله المبالغ فيه بنظرة المجتمع له، وماذا يقول الناس عنه، بل إنه يهتم لكلام الناس أحياناً أكثر من تعاليم الدين، وفي الأنماط الاستهلاكية يشغلنا التباهي ومجاراة الآخرين عن رؤية احتياجاتنا الفعلية والتي قد تكون بسيطة جداً، فكم من أفراد تكبلوا بقروض بنكية ثقيلة من أجل شراء سيارة من طراز معيّن، أو لقضاء الإجازة الصيفية ليكونوا مثل جيرانهم أو أصدقائهم، في حين الأجدى أن ينشغل الإنسان بتطوير ذاته واكتساب مهارات ومعارف جديدة، وتحصيل أكاديمي يؤدي الى نقلة نوعية في الحياة الاجتماعية والمالية.

أتصور أننا جميعاً حظينا بفرصة ذهبية خلال وباء «كوفيد-19» للتوقف والتدبر في ما تعنيه لنا الأشياء، وما الأشياء والقيم الأهم في حياتنا، ما الغثّ وما السمين، كيف أن أموال العالم لا تستطيع تخفيف آلام ذلك الوباء، وكيف حرمنا من لقاء الأحبة، وماذا فعلنا بأحدث موديلات السيارات والملابس التي لم تستعمل لأكثر من عام ونصف العام، فهل سنظل نتكالب على الماديات وسنظل في عداوات لا مبرر لها وننسى أنفسنا؟

• أتصوّر أننا جميعاً حظينا بفرصة ذهبية خلال وباء «كوفيد-19» للتوقف والتدبّر في ما تعنيه لنا الأشياء.

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر