٥ دقائق

دع ما يُريبك إلى ما لا يُريبك

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

ما أعظمَ أن يكون المسلمُ نبويَّ الهدي فتستقيم حياته وآخرته؛ لأن نبينا المصطفى، صلى الله عليه وآله وسلم، ما ترك شيئاً من الخير إلا وقد دلنا عليه، ولا ترك شيئاً من الشر إلا وقد حذرنا منه، وهو الصادق المصدوق، فإن دلنا على شيء من الخير واتبعنا دلالته؛ فُزنا بنعيم الطاعة، وعظيم المثوبة، وإن خالفناه ووقعنا فيما نهانا عنه؛ رجعنا بشؤم المعصية ووبيل المعاقبة، على أن المخالفة في أمر النهي شديدة؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لم يترك لأحد من أمته عذراً في مخالفة النهي اختياراً، بخلاف أوامر الطاعة فإنها كانت بحسب الطاقة والاستطاعة، فقال عليه الصلاة والسلام: «إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم».

ومما نهانا عنه مما فيه صلاح ديننا ودنيانا ما رواه الحسن السِّبط، رضي الله عنه، أن جده، صلى الله عليه وسلم، قال: «دع ما يُريبك إلى ما لا يُريبك؛ فإن الخير طمأنينة، وإن الكذب ريبة»، والمعنى: اترك ما تشك في حِلِّه واعدل إلى ما لا تشك فيه، وهذا الحديث من جوامع كلِمه عليه الصلاة والسلام، فهو من الأحاديث الأربعة التي يدور عليها الإسلام، كما قال العلماء الأعلام، فإنه بيان لمنهج الحلال الذي تعبد الله تعالى به عباده، في المطعم والمشرب اللذين هما سببُ صفاء القلب أو ظلمته، وسببٌ لصلاح الجسد أو علته، وفي الملبس والمنكح، وفي البيع والشراء، وفي القول والفعل، فجمع كل حلال ليُتَّبع، وكل مشتبهٍ به، فضلاً عن المحرم، فيجتنب، فإن اتبع المؤمن ذلك فقد هُدي إلى صراط مستقيم، بابتعاده عن المحارم، والمحارم هي حدود الله التي من وقع فيها فقد ظلم نفسه بارتكاب المعصية، وتعرضه لمقت الله وأليم عقابه، ولذلك كان من هديه عليه الصلاة والسلام الحث على ترك بعض الحلال الذي قد يقود إلى الحرام، وهو ما سمي بالمشتبهات، فقال عليه الصلاة والسلام: «إن الحلال بيِّن، وإن الحرام بيِّن، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام..».

وما أكثر ما يُريب الكثير من الناس اليوم من القول والفعل الذي يتعين عليهم أن يدعوه، ليحموا دينهم ودنياهم..

فالخوض في وسائل التواصل الاجتماعي بنشر الأخبار الكاذبة، والفتن المغرضة، والنميمة المفسدة، بل حتى الحكايات التافهة، أو الصور الخادشة، هي مما ينبغي للعاقل أن يدعها حتى يصون عرضه ونفسه.

والتهافت على المكاسب من غير وعي بالحلال منها؛ يوقع المرء في المتشابهات التي تقوده إلى المحرمات، فيتعين على المرء اجتنابُها.

ومجالسة من لا يعرف حالهم بالصلاح والاستقامة؛ تقود إلى السير معهم، فيرد مواردهم المهلكة، وينسب إليهم، ويتعين على المرء اجتناب ذلك.

والتهاون في السنن الثابتة، مؤكدة أو نوافل مطلقة؛ تقود إلى ترك الواجبات، ويتعين على المؤمن المحافظة عليها.

والتغاضي عن هنَات الأبناء والبنات، التي ليست محرمات، يسهِّل عليهم السير في ركب المعاصي والسيئات.. وهكذا أمورٌ كثيرة هي مما دل عليه حديث «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»، والعاقل من الناس من يحرص على ما ينفعه في دينه ودنياه في ضوء شرع الله المتين، ويدع ما لا ينفعه، حتى لا يندم حينما لا ينفع الندم، فإنه ما فرط امرؤٌ في هدي الإسلام إلا كان عليه حسرة وملام، ولكن حين لا ينفع الندم ولا يغني الكلام.

إن عمرك أيها الإنسان وصحتك وعافيتك من الأمانات التي حُمِّلتها، فلا تفرط فيها بشغلها بالباطل، فضلاً عن التقصير في الواجبات أو ارتكاب المخالفات، فإن الأمر كما قال الناظم:

فمن تفُته ساعةٌ من عمرهِ تكن عليه حسرةٌ في قبرهِ

وكما ورد «ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله فيها»، فإذا كان أهل الجنة يتحسرون على الغفلات فكيف بأهل النار؟! فهم الذين يقولون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}، فيكون الجواب: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ}، عياذاً بالله من ذلك، فما كانت تلك الحسرات إلا لعدم اغتنام فرصة العمر فيما يرضي الله تعالى، وعدم اتباع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فنسأل الله التوفيق لطاعته والبعد عن معصيته.

• التهافت على المكاسب من غير وعي بالحلال منها؛ يوقع المرء في المتشابهات التي تقوده إلى المحرمات.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر