5 دقائق

تكريم المعلمين وفئاتُهم

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

جميلة تلك اللَّفتة العالمية بتكريم المعلم في يوم المعلم (الخامس من ‏‏أكتوبر من كل عام)، وهو تكريم هادف إلى التنويه بمكانة المعلم في المجتمعات الإنسانية، لأنه هو الذي ينشئ أنفساً وعقولاً، كما قال أمير الشعراء شوقي، رحمه الله تعالى، وقد احتفلت المدارس ورياض الأطفال بهذا اليوم، فتشكر على ذلك، وقد كرمته القيادة بالثناء البالغ على دوره في المجتمع، بتنشئة الأجيال وإعدادها للحاضر والمستقبل، بما يدل على اهتمام القيادة المباركة بأمر المعلم والتعليم وأجيال الغد الذين يتغذون بمعارف المعلمين، فكان دليلاً على عُلو مكانة المعلم في نفوس الجميع «وإنما يَعرِفُ الفضلَ لأهل الفضلِ ذَووه».

ويبقى السؤال عن هذا المعلم المحتفى به، من هو؟ أهو أستاذ الفصل الدراسي في رياض الأطفال والمدارس والمعاهد فحسب، أم هناك فئات أخرى هي من هذا الصنف الذي يحتاج إلى مثل هذا التكريم؟

للإجابة عن هذا التساؤل لابد أن نعرف المهمة التي تقوم بها كل الفئات التعليمية، فالمدرس في الروضة أو المدرسة أو المعهد، يقوم بدور عظيم في التربية والتعليم، من خلال تعليم أفلاذ الأكباد مناهج التعليم المعدة سلفاً من الوزارات، وهؤلاء المدرسون معنيون بهذه المناهج، شرحاً وتفصيلاً وتفهيماً، فيكون لهم الأثر العظيم في تغذية طلبتهم هذه المناهج، حتى يتقنوها ويفعِّلوها في واقع حياتهم، سواء أكانت معرفية أم تطبيقية.

أما الفئات الأخرى، وهي التي لا تذكر في هذا التكريم، فهي كثيرة..

فمنهم أساتذة الجامعات الذين يغذون الشريحة الأكثر نضجاً وتأثراً وتأثيراً، وهم الشباب الذين يحتاجون إلى تغذية معرفية وسلوكية أكبر من تلاميذ المدارس، لما هم عليه من فاعلية وقابلية للتأثر والتأثير، وقربهم من سوق العمل، فإما أن يكونوا حاملين الخير والنفع إن كان معلموهم قد أحسنوا صنعاً في تعليمهم، أو غير ذلك إن ساء لَحْظُ معلميهم.

فهؤلاء يستحقون تكريماً أكثر بما يتناسب مع عطائهم الكبير، وأثرهم الخطير.

ومنهم العلماء الذين يَهدون الناس إلى الخير ويدلونهم على الرشاد في منابر الإفتاء والوعظ بوسائلهم المختلفة، وهم يعيشون في أوساط المجتمع، فهؤلاء معلمون من الدرجة الأولى، لأنهم يعلمون الصغار والكبار والنساء والرجال، ويرجع الكل إليهم في أمور دينهم التعبدية والمعاملاتية والأسرية والاجتماعية، وبهم يحصل النفع العام والخاص على الدوام، وهم المعنيون بقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين، حتى النملةَ في جُحرها، وحتى الحوت، ليصلون على معلم الناس الخير»، وهم ورثة الأنبياء، وهم أهل الذكر الذين أُمر الناس أن يرجعوا إليهم عند عدم علمهم، وهم المبلِّغون عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء ممن يستحقون التكريم والإكرام، فذلك هو هدي الإسلام قبل أن يكون شعاراً أممياً عالمياً، كما ورد من حديث عبادة بن الصامت، رضي الله عنه، مرفوعاً: «ليس من أمتي من لم يُجِلَّ كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالِمنا حقه».

ومنهم العلماء الأفذاذ الذين يعلمون الأجيال الحاضرة والمستقبلة بما يسطِّرونه في كتب قيمة في الفنون المختلفة، والتي تُغذِّي عقول كل الشرائح التي تهتم بالقراءة واقتناء الكتب المعرفية، فهؤلاء يستحقون غاية التكريم لما بذلوه من علم مدوَّن، دائم النفع، واسع الانتشار، وقد قامت مؤسسات عالمية وإقليمية بتكريم بعضهم بجوائز قيمة كجائزة الملك فيصل العالمية، وجائزة الشيخ زايد للكتاب، وجائزة الملك عبدالعزيز للكتاب، وغيرها من الجوائز ذات القيمة الأدبية والمعنوية والمادية، وذلك التفاتٌ كريم لهذه الفئة من المعلمين، فينبغي أن يشملهم هذا التكريم لأنهم معلمون من الطراز الأول.

ومنهم معلمو الفضائل الخُلقية من رجال المجتمع المؤثرين في نُبلهم وعاداتهم الكريمة التي ينقلونها للأجيال، من مكارم الأخلاق المتوارثة ومحاسن العادات والشيم التي يحبذها الإسلام ويدعو إليها.

فكل هؤلاء يستحقون التكريم والإشادة في أوساط المجتمعات حتى يستمر عطاؤهم بانشراح صدر وكمال رغبة، فاستيعاب مثل هذه الفئات، بالتكريم والإشادة والاحتفاء، هو إنصاف لمفهوم المعلم الواسع، الذي انحصر في مدرسي المدارس، ورياض الأطفال، وهو اعتراف بحق هذه الفئات العلمية على المجتمعات، وهذا من النبل في النفوس الذي ينبغي أن يتعايش الناس عليه، وما أصدق الشاعر حين قال:

إن المعلم و الطبيب كلاهما * لا ينصحان إذا هما لم يُكرما

 «كبير مفتين مديرإدارة الإفتاء في دبي» 

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر