5 دقائق

الحدود السيبرانية

الدكتور علاء جراد

الحدود المعروفة للدول هي حدود برية وبحرية وجوية، ولكن الآن استدعت التقنيات العابرة للحدود استحداث خطوط دفاعية قوية للحدود السيبرانيةCyber Borders أو الحدود الرقمية، مثل البث التلفزيوني والرقمي والوصول للشبكات الوطنية للدول. إن الحدود الجغرافية يسهل الدفاع عنها لأنها ملموسة ويسهل مراقبتها والاستعداد المسبق للدفاع عنها باستخدام تقنيات الرادار والاستشعار عن بُعد، ولكن الحدود السيبرانية يصعب التنبّؤ باختراقها، خصوصاً أنه ليست كل الدول لديها القدرة على امتلاك تكنولوجيا الدفاع اللازمة، فمن السهل الآن على أي قوات معادية اختراق أنظمة وخدمات حيوية والسيطرة عليها. ولكي نتصور خطورة هذا الاختراق، تخيل أن جهات معادية استطاعت السيطرة على نظام تشغيل شبكة الكهرباء أو شركات الطيران.

الخطورة الأكبر هي السيطرة طويلة الأجل على الحياة الاجتماعية عن طريق بث مواد تعمل على إثارة الفتن والنعرات، وكذلك تشكيك الأجيال الجديدة في القيم الدينية والوطنية ومحاولة تشويه الثوابت والرموز الوطنية، وهذا ما تفعله بعض قنوات التلفزيون الكريهة والمشبوهة. لقد كثرت الجرائم التقنية بطريقة غير مسبوقة، وهي في زيادة مطردة خصوصاً في ما يسمي بـ«الإنترنت المظلمة» أو Dark Web، والتي تعتبر الفضاء الخفي لتجارة وتداول كل ما هو ممنوع مثل التجارة في البشر خصوصاً الأطفال، كذلك الآثار والمخدرات والأعمال الإرهابية، وقد زاد الطين بلة استخدام هؤلاء المجرمين تقنية «البلوك تشين» للدفع مقابل تلك الخدمات حيث لا توجد طريقة ناجعة لتتبعهم والإمساك بهم. والموضوع أكبر من ذلك فـ«الإنترنت المظلمة» هي جزء من شبكة أكبر وهي «الإنترنت العميقة» أو Deep Web وفي هذا الفضاء المظلم والعميق لا يتم تصنيف المواقع على محركات البحث.

وفي دراسة لمركز «راند» للأبحاث بالتعاون مع جامعة «مانشستر» توصلت الدراسة إلى أن 42% من حجم التجارة المظلمة، لمبيعات السلاح يليها تجارة البشر.

إن التعامل مع تلك المعضلة يستدعي الوعي من كل فئات المجتمع بمخاطرها حيث نحتاج إلى تثقيف أنفسنا وأطفالنا بتلك الموضوعات، وهناك دور كبير لجامعاتنا ومراكزنا البحثية للوقوف على ما يجري في هذا العالم، كما أن هناك حاجة إلى استراتيجيات وطنية وتخصيص الموارد المالية والبشرية والتقنية اللازمة للتصدي لتلك المخاطر العابرة للقارات والحدود التقليدية، فلا مانع من وجود رقابة دقيقة ومتابعة مستمرة لكل ما يجري فوق وتحت الأرض، فحتى الدول المتقدمة تتخلّى عن مبدأ حرية التعبير والحرية الشخصية عندما يتعلق الأمر بالأمن والسلم الوطني، إن المستقبل يبدو مخيفاً وقد يحمل صدمات كبيرة، ولكن يمكن التعامل مع تلك المخاطر باستحداث قوات دفاعية للحدود السيبرانية تتسلح بالتكنولوجيا والاستثمار في البحث والتطوير.

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 


الحدود السيبرانية يصعب التنبّؤ باختراقها، خصوصاً أنه ليست كل الدول لديها القدرة على امتلاك تكنولوجيا الدفاع اللازمة.

تويتر