كـل يــوم

أين الاحترافية بالضبط؟

سامي الريامي

لا يمكن أبداً إخلاء مسؤولية البنوك عما حدث، ولا يمكننا الاقتناع بأن إدارات المخاطر قامت بواجبها ودورها كما ينبغي في التأكد من الجدارة الائتمانية لشركة «إن إم سي» للرعاية الصحية، كما لا يمكن أن يصدق أحد أن البنوك المنكشفة تعاملت باحترافية مع الشركة، فإذا كانت هذه الاحترافية أوصلتنا إلى انكشافات بقيمة عشرة مليارات درهم، فالنتيجة المنطقية تحتم علينا الاعتراف بوجود خلل كبير في كفاءات تلك البنوك واحترافيتها، وإلا كم كنا سنخسر لو أنها لم تمتلك هذه الاحترافية؟!

هناك من يعتقد أن القضية كبيرة، ولا تخلو من عمليات نصب واحتيال، وقد تكون كذلك، ولكن هذا اختصاص جهات أخرى، هي وحدها التي تملك حق إجراء التحقيقات، وهي التي لديها التفاصيل والمعلومات كافة، وهي وحدها التي تقرر إثبات الاحتيال من عدمه، أما المؤشرات الحالية، والتي تدخل في صميم عمل البنوك، فهي جميعاً تثبت وجود التقصير والخلل في آلية عمل إدارات المخاطر بتلك البنوك المنكشفة، وإلا فلِمَ لم تتورط مجموعة أخرى من البنوك، حاولت الشركة الحصول على تمويل منها بالطريقة ذاتها؟!

أسئلة بسيطة لاتزال تبحث عن إجابة: هل البنوك ملزمة بالاستعلام الائتماني عن الشركات؟ ولماذا تفعل ذلك عند إقراض الأفراد ولم تفعله مع الشركات؟ بحيث تتعرف - عن طريق الربط الإلكتروني - إلى حجم مديونيات الشركة في البنوك الأخرى، لو كان هذا النظام موجوداً ومفعلاً لما حدث ذلك.. هكذا ببساطة، أين الاستعلام الائتماني مما حدث؟!

وبالمناسبة، فإن الشركة الأميركية، التي كشفت القضية، لم تفعل شيئاً سوى توجيه بعض الأسئلة البسيطة، لم تفتش في سجلات الشركة، بل دققت على الميزانية المنشورة، وسألت على ضوئها بعض الأسئلة، التي من المفترض أن يكشفها مسؤولو الائتمان والمخاطر في أي بنك بهذا المستوى، ليوافق على قروض بالمليارات، فعلى سبيل المثال لم تستطع «إن إم سي» الإجابة على سؤال بسيط عن حجم النقد لديها!

كما أن هناك حقائق أولية تؤخذ بعين الاعتبار عند تقييم جدارة الشركات ائتمانياً، وتدخل في صميم عمل إدارات المخاطر عند قراءة البيانات المالية قبل منح التمويل، وهي: حجم مديونية الشركة، ونسبة الديون إلى الأصول، ونسبتها إلى حقوق الملكية، بحيث إذا تخطت النسب ٥٠% تجب دراسة الأمر بدرجة أكبر، وهو ما لم يحدث مع «إن إم سي» رغم الآتي:

وفقاً للكشوفات المالية المنشورة على موقع بورصة لندن، بلغ مجموع الأصول ٣.٨٧٢ مليارات جنيه إسترليني، ومجموع الالتزامات أو المديونيات ٢.٥٦٨ مليار جنيه إسترليني، أي أن نسبة المطلوبات أو الديون إلى مجموع الأصول تبلغ ٦٦.٣%، ومن المتعارف عليه أن هذه النسبة إذا تخطت ٥٠% لابد على إدارات المخاطر أن تتحرى وتبحث عن معلومات تطمئن إليها، وإلا ترفض التمويل برمته، وهذا ما حدث مع بنك أبوظبي الأول مثلاً، الذي لم يقرض الشركة درهماً واحداً!

وإذا كانت البنوك غير مقصرة، فلماذا وصلنا إلى مبلغ ١٠ مليارات درهم، من أكثر من ١٢ بنكاً محلياً، لم يكلف أي موظف فيها نفسه بالاستعلام الائتماني لدى شركة الاتحاد للمعلومات الائتمانية، وذلك للتأكد حتى من حجم الديون الداخلية للشركة، إذا كان لا يمكنه معرفة ما يحدث بالخارج، رغم خزي هذه الحجة لموظف يعمل في أكبر قطاع مصرفي بالمنطقة العربية، ودول الخليج، ولديه من الإمكانات ما يعرفها القاصي والداني!

الدفاع عن إدارات المخاطر غير مُجدٍ، وتبرير الخطأ أمر غريب، والمسؤولية كاملة تقع على البنوك، فالأموال المودعة لديها هي ليست ملكاً لها، بل هي حقوق المودعين الذين وثقوا بإداراتها، وأودعوا أموالهم بهدف تشغيلها بشكل صحيح، بعيداً عن المخاطر، للحصول على عائد جيد ومضمون، وإلا فما الفرق بين البنوك ومنصات تجارة الفوركس أو البيتكوين.. أليست اليوم سواء في ضياع الأموال؟!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر