5 دقائق

جيلنا وجيلهم

عبدالله القمزي

صراع أو تداخل فكرين في زمن واحد هو سمة كل العصور عبر القرون الماضية. هذه نتيجة طبيعية لجيل تربى على أفكار وقيم معينة يراها صحيحة من وجهة نظره، وجيل آخر ينشأ على قيم يراها أحدث من وجهة نظر هذا الجيل الجديد، بينما الجيل القديم لا يتفق مع الجديد على أفكار الأخير.

تجلس مع والديك فتسمع استنكارهما العصر الحالي وأن العالم كان أفضل منذ 30 - 40 عاماً، وتجلس مع ابنك المراهق أو أبناء أشقائك فيتساءلون كيف كنتم تعيشون دون «غوغل» و«إنستغرام» و«سناب»؟ كل جيل يرى العالم من وجهة نظره التي شكلتها خبرته وتجاربه.

الجيل الجديد لا يستسيغ الأغاني القديمة ويصفها بالطويلة جداً، وعندما تحاول تذوق ما يستمعون إليه (لو كنت من الجيل القديم) فستسمع ضجيجاً بلا لحن وتلاعباً بالصوت ببرامج كمبيوتر وآلات موسيقية لن تستطيع أن تميزها كما تميز العود والقانون أو البيانو، والأهم كلمات ركيكة وصوت مغنٍ أو مغنية ستجزم أن صوتك أفضل منه.

يستغرب الجيل الجديد وجود الصحف وغرضها في الحياة، ويستنكر القديم اختزال الأخبار في الـ«سوشيال ميديا». أضيف إلى الجيل الجديد شريحة لا يستهان بها من الجيل القديم وجدت في التقنية الحديثة مميزات وفوائد اعتمدتها كأسلوب حياة، وترى أن الأساليب القديمة لم تعد ضرورية.

الجيلان موجودان على كل منصات التواصل الشعبية في الدولة مثل «واتس أب» و«إنستغرام» و«سناب»، وخير ما يشير إلى ذلك تداول فيديوهات من الزمن القديم، مثل مقدمات الرسوم المتحركة اليابانية والأوروبية المدبلجة بالعربية التي كان الجيل القديم يشاهدها من آخر السبعينات حتى منتصف التسعينات، إضافة إلى برامج تعليم اللغة العربية المدعومة بتقنيات جرافيكس بدائية من ذلك الزمن.

هذا السبب الذي جعل الجيل القديم أقوى في اللغة العربية من الجيل الجديد، لأنها كانت حاضرة في كل الوسائل الموجودة آنذاك من صحف إلى كتب بمحتوى ممتاز إلى برامج تلفازية تدعم العملية التعليمية.

الجيل الجديد لديه وسائل تعليم أحدث لكنها لا تأتي دائماً بالنتيجة نفسها، لأن الفيديوهات مشاهدة واستماعاً لا تعلّم القراءة والكتابة كما تفعل الكتب والصحف. الكتابة بالقلم كممارسة يجب أن تسبق الكتابة بالأزرار.

وهذا سبب الأخطاء الفادحة في منصات التواصل، هذا سبب تشوه اللغة العربية وعدم التمييز بين الضاد والظاء، وبين التاء المفتوحة والمربوطة، وبين الياء والألف المقصورة.

غاب الإعلام التقليدي بعدما اعترته حالة ضعف شديدة، وأصبح محتوى الكتب تافهاً لغياب المثقفين ودخول مؤلفين لا علاقة لهم بالتأليف.

بالعربي: الفيديوهات الإخبارية أسرع انتشاراً من الصحف بشكل يفوق الخيال، لكن فرص احتوائها على أخطاء لغوية مرتفعة أكثر من احتواء الصحف على أخطاء مماثلة، فضلاً عن أن صانع محتوى الفيديو لا يهتم بتصحيح الخطأ اللغوي، خصوصاً بعد انتشار الفيديو، بينما تقوم الدنيا ولا تقعد لو صدرت صحيفة بأخطاء لغوية، وسترى حتى المراهق أو المؤثر يطالب بوقفها على «تويتر»، عبر تغريدة كهذه: «هل يعقل أن صحيفة تخطء بهذي الطريقت الفضيعه.. رجاء اوقفو هاذي الفظيحه».. ودمتم بخير!

«غاب الإعلام التقليدي بعدما اعترته حالة ضعف شديدة، وأصبح محتوى الكتب تافهاً لغياب المثقفين ودخول مؤلفين لا علاقة لهم بالتأليف».


Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

تويتر