5 دقائق

واشنطن ودعم السينما

عبدالله القمزي

وصلني رابط لتغريدة شخص محسوب على فئة المتخصصين في أمور الدين يتحدث فيها عن فيلم! فتحت الرابط وكلي ثقة بأن ما سأجده مثل ما أجده عند بقية المغردين العرب إن تحدثوا في السينما، أي هراء أو بالمحلي «تخبيص».

أعيدها للمرة العاشرة والمئة وحتى الألف: العرب لا يشاهدون الأفلام، وإن شاهدوا شيئاً أعجبهم عظموه وكتبوا فيه تغريدات من تأليفهم كلها مغالطات و«تخبيص»، لأنهم لا يفهمون عما يتحدثون. أن تشاهد أفلاماً لا يعني أبداً أنك تفهم في السينما، لكن أن تقرأ في السينما وتاريخها فذلك حتماً يعني أنك تعي ما تقول.

هذا الشخص وجميع المغردين العرب الذين مروا علي يقعون في الخطأ نفسه، يشاهدون فيلماً يعجبهم فيسارعون بالتغريد عنه، ولا مشكلة لو أراد أحد التعبير عن رأيه في فيلم، لكن تحليل الفيلم في تغريدة أو اثنتين مستحيل!

يتحدث الرجل عن فيلم موضوعه التنمر في فيديو قصير، يقول فيه إن الحكومة الأميركية أنفقت 20 مليون دولار على الفيلم، ويقول إن الإعلام الأميركي عالج التنمر إلى أن اختفت المشكلة، دون أن يثبت ذلك بالأدلة والأرقام. هذا الكلام للسذج فقط ومن لا يقرأ. انبهر الرجل بميزانية الفيلم ولم يعلم عن أرباحه التي تجاوزت 300 مليون دولار، ظن أن 20 مليون دولار مبلغ ضخم، وهو في العرف السينمائي الهوليوودي مثل 200 دولار، يعني منخفض الميزانية.

ضروري أن نميز بين الإعلام والسينما: الأول منبر أو منابر تخاطب الجماهير عن موضوعات تهمها، أما السينما فهي فن يحكي قصصاً بأسلوب الصورة المتحركة، غرضه الأول الترفيه. يعطي الإعلام حقائق، والسينما قد تعطي حقائق مغلفة بالخيال.

هل أنفقت الحكومة الأميركية على الفيلم؟ أن يفكر أحد في السؤال فهو مثل شرطي يتساءل: هل يأخذ أقوال متعاطي مخدرات في حالة هلوسة! تدعم الحكومة الأميركية أفلاماً لكن دون أن تنفق عليها، المنطق أن المنتج هو الذي ينفق على الفيلم، أما الحكومة فدورها دعم الفيلم ومده بالأسباب الفنية واللوجستية والعلمية حتى ينجز.

التنمر في المدارس موضوع تافه في أروقة البيت الأبيض أو البنتاغون، ولا مصلحة للحكومة بدعمه. الحكومة الأميركية حالها حال أي حكومة أخرى في العالم تدعم الفيلم الذي يروج لسياستها الخارجية أو إنجازاتها أو حروبها أو أسلحتها أو خططها في الحرب على الإرهاب، وهذا الكلام منذ الحرب العالمية الثانية، ولعلنا نتذكر أن الحكومة الأميركية استغلت حتى شخصية الأطفال المحبوبة دونالد داك وألبسته ملابس جندي في إحدى الحلقات التي بثت إبان الحرب المذكورة.

بالعربي: حولت السينما (وليس الإعلام) الحكومة الأميركية وأجهزتها مثل «سي آي إيه» و«إف بي آي» إلى ما يشبه العلامة التجارية، سواء كان فيلماً مهماً مثل «زيرو دارك ثيرتي» الذي تفاخرت فيه «سي آي إيه» بإنجاز هائل كقتل الإرهابي أسامة بن لادن، ودعمت الفيلم بمعلومات سرية لم تكشف قبل الفيلم، أو كان فيلماً تافهاً موجهاً للمراهقين مثل «ترانزفورمرز» الذي يستغله البنتاغون لعرض أحدث طائراته المقاتلة وآخر طرز الأسلحة.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com


«يعطي الإعلام حقائق، والسينما قد تعطي حقائق مغلفة بالخيال».

 

تويتر