5 دقائق

هل يُبدع الطلبة بدون علم النفس؟

جمال الشحي

مما لا شك فيه، أن المجتمعات الحديثة تتطور سريعاً، وهي تصوغ أرواح أفرادها ونفوسهم، إلا أن التغيير الفجائي يضرب عمقها، ويؤثر في السلوك. الأفراد يختلفون في ما بينهم إزاء تلقي هذا التغيير، وما ينتج عنه من تحديات نفسية وسلوكية كما حصل في القرن الماضي، ويستمر في القرن الحالي. لقد حاول العلماء مواجهة هذه السلوكيات المختلفة علمياً، وطوروا أساسيات «علم النفس» الذي له أكبر التأثيرات على فهم عمق الشخصية الإنسانية وردود أفعالها، ولذلك لا بد أن تكون مادة علم النفس ضرورية في المراحل المبكرة للتعليم من أجل بناء الطلبة نفسياً. إن بناء المستلزمات النفسية في غاية الأهمية لمواجهة المستقبل ومتغيراته، خاصة أن كثيراً من المجتمعات العربية وغيرها غير مهيأة للتعامل مع التغيرات المجتمعية وتأثيراتها النفسية، لذا فإن الهيئات التعليمية يجب أن تنتبه إلى إدراج علم النفس كمادة أساسية في سلم المعرفة، فهناك الكثير من الظواهر التي تنتشر بين صفوف الطلبة لا يمكن فهمها، ولهذا السبب لا يمكن تقديم الحلول العلمية لها، وأحياناً تكون عصيّة على الأسر والمعلمين في آن واحد. هناك رغبة حقيقية لدى الطلبة في فهم أنفسهم وذواتهم بطريقة علمية، هذه الرغبة تجد الغياب في الطرف الآخر الذي عليه القيام بهذه المهمّة. هناك بعض الظواهر لا يمكن للمدرسة ولا الكادر التعليمي من أخصائيين اجتماعيين تفسيرها بصورة علمية، وهو ما يؤسف له. هذا النقص الموجود في مناهجنا تداركه الغرب مبكراً، وخصصوا مواد تعليمية أكاديمية لتندرج في تدريس الطلبة. وهذا يتطلب توافر كادر علمي متخصص، وعلى درجة عالية من الوعي، ومن التحصيل الجامعي الأكاديمي الذي يؤهله لتدريس مادة علم النفس في المدارس.

تتوافر الكثير من الفوائد في تطبيق علم النفس في المناهج المدرسية، وهو ما توصلت إليه تقارير منظمة الصحة الأميركية، وما زخرت به من إحصائيات عن سلامة الصحة النفسية للمراهقين، وظهور أعراض حالات القلق والاضطرابات عند المراهقين، منها الاكتئاب والأفكار السلبية التي تبدأ في مراحل مبكرة، ففي هذا المجال يكون تدريس علم النفس النافذة الحقيقية للطلبة لتعلّم المهارات الاجتماعية والعاطفية بطريقة صحيحة. ويمكن تطبيق هذه المهارات في الفصل الدراسي، ما يعين الطلبة على تطوير ما لديهم من قدرات حياتية، ويجعل مهمّة اتخاذ القرارات وتوطيد العلاقات الاجتماعية وبناء الشخصية السوية أكثر سهولة مما لو كانت مادة علم النفس غائبة.

مخطئ من يظن أن مجتمعاتنا محصّنة ضد الأمراض النفسية، فمثل هذا النوع لا يوجد إلا في اليوتوبيا، بل هي تشكل خطراً جسدياً على الأفراد، حالات الكآبة والشعور باليأس والأفكار السلبية من الممكن أن تصيبهم بالشلل الدماغي، على سبيل المثال.

وهناك أمراض نفسية تصيب الأطفال وأخرى تصيب المراهقين، مثل القلق والرهاب والفوبيا والهوس الاكتئابي وغيرها. وهذه الأمراض النفسية لا تندرج تحت ثقافة ما نطلق عليه «العيب»، وهي ليست نتائج للتأخر بقدر ما هي نتائج للتطور. تراجع أدوات الدعم الاجتماعي السابقة التي تحيط بالأفرد من أسباب انتشار هذه الحالات، وكأن عزلة البشر أصبحت جزءاً من حياتنا، لذا لا يمكن أن نساير التطور الهائل الذي يحيط بنا من دون تطوير الوسائل النفسية لمواجهة مشكلات العصر.

jamal.alshehhi@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .


هناك أمراض نفسية تصيب الأطفال وأخرى تصيب المراهقين.

تويتر