5 دقائق

التقنية.. أسلوب حياة

عبدالله القمزي

تغيّر التقنية حياة البشر عبر الأزمنة، وخير طريقة للتفكر في كيفية تأثير التقنية هو إعادة تخيل حياتك دونها. اليوم، مثلاً، بإمكانك دفع مخالفاتك المرورية أينما كنت، وتجري وتستقبل مكالمات وتقرأ الأخبار، وتستمع إلى موسيقى، بالإضافة إلى أشياء أخرى، وكله بجهاز واحد.

هذا أصبح أسلوب حياة وشيئاً عادياً وبسيطاً بمعايير اليوم، ولو أردت أن تقيس التطور المذهل اليوم، فتذكر كيف كنا نعيش في الماضي.

تخيل معي: أنت في 1989 تريد دفع مخالفاتك، وعليك أن تأخذ إجازة من عملك، وأن تذهب إلى إدارة المرور في تمام السابعة صباحاً لتجنب الازدحام، وتنتظر أن يفتح الموظف معاملة لك، في إجراء قد يستغرق أربع ساعات. في ذلك الزمن كانت الطوابير عفوية، وكانت الناس تقف أمام الموظف وتسأله عشوائياً، والويل لك لو كانت أوراقك ناقصة، لأن ذلك يعني أخذ يوم آخر إجازة لإتمام معاملتك.

خلف الموظف الذي ينجز معاملتك توجد غرفة يخرج منها عسكري يحمل في يده كومة ملفات، وأحياناً ينبعث دخان من تلك الغرفة أيام كان التدخين متعارفاً عليه في المكاتب. من العلامات الفارقة في ذلك الزمن، أن معاملتك قد تنجز بسرعة لو كان الموظف من أبناء الفريج، وسيهتف لك: «مال فريجنا!»، وهو ترحيب واحتفاء بحسن نية، ولا يجب أن يفهم كتعطيل لمصالح الآخرين.

وإن أردت إجراء مكالمة ضرورية فعليك أن تطلب من الموظف استخدام هاتف مكتبه، أو أن تجد هاتفاً عمومياً قريباً، غالباً ما يكون مزدحماً ورائحته تزكم الأنف، خصوصاً لو كان المستخدم قبلك مدخناً.

عام 1999 أُدخل نظام الأرقام إلى الكثير من دوائرنا، وخلال انتظارك أحضرت معك جريدة، وانهمكت في قراءتها إلى أن يأتي دورك. مازلت تأخذ إجازة من دوامك لإنهاء هذه المعاملة ولو أنك غير مضطر، لأن الزمن اختصر إلى ساعتين. الدفع لايزال نقداً، لكن النوكيا في يديك لو اضطررت لإجراء مكالمة.

في 2009، دفعت مخالفاتك عبر الموقع الإلكتروني، وذهبت فقط لإجراء الفحص واستلام الملكية الجديدة، في إجراء لم يستغرق أكثر من نصف ساعة. الجهاز في يدك «بلاك بيري» أو «آي فون»، وهناك جهاز Ipod للموسيقى تستخدمه للتسلية فقط.

اليوم 2019/‏2020، تطبيقات على جهازك الذكي تنجز بها كل معاملاتك أينما كنت، تقرأ الأخبار من أي مصدر شئت، وموسيقاك المفضلة باشتراكات رقمية أرخص من أي وقت مضى، أو مجاناً عبر تطبيق يوتيوب.

انخفض زمن إنجاز معاملة من أكثر من أربع ساعات إلى 10 دقائق في 30 عاماً، لو قلت ذلك لشخص في ذلك الزمن لسقط مغشياً عليه من الذهول، أو ربما سخر منك.

بالعربي: هل يتخيل عقلك أننا بعد 30 عاماً سننظر إلى تطبيقات اليوم نظرة عدم قبول تشوبها سخرية، بسبب ثورة التقنية التي تتغير كل خمسة أعوام حداً أقصى، حسب تقديرات الخبراء، وأحياناً كل سنة؟

ملاحظة لمواليد 2000 وما بعد: جهاز «آي بود» الذي لم يصمد 15 عاماً كنا نخزن وننظم فيه الموسيقى المفضلة، في العقد قبل الماضي وكانت شاشته بالأبيض والأسود.

في 2009 دفعت مخالفاتك عبر الموقع الإلكتروني وذهبت فقط لإجراء الفحص واستلام الملكية الجديدة، في إجراء لم يستغرق أكثر من نصف ساعة.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر