5 دقائق

اللغة المُحتفى بها

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

مرت ذكرى اللغة العربية، في يومها المشهود 18 من ديسمبر، بنشاطٍ ثقافي ملحوظ، إشادة وتمجيداً، حتى تحيا حياة طيبة بين أبنائها - على الأقل - وذلك جهد مشكور ومذكور لمن أسهم فيه ولو بالقليل من الذكر.

- الإشادة الكبرى والتشجيع

العظيم والإحياء الكبير،

ذلكم الذي قدمه صاحب

السمو الشيخ محمد بن

راشد، حفظه الله ورعاه،

بجائزته العالمية للغة

العربية.

إلا أن الإشادة الكبرى والتشجيع العظيم والإحياء الكبير، ذلكم الذي قدمه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، حفظه الله ورعاه، بجائزته العالمية للغة العربية، هذه الجائزة التي تُعدّ أرفع تقديرٍ لجهود العاملين في ميدان اللّغة العربيّة، أفراداً ومؤسّسات، وتندرج في سياق المبادرات التي أطلقها سموه، للنّهوض باللّغة العربيّة ونشرها واستخدامها في الحياة العامة، وتسهيل تعلّمها وتعليمها، إضافة إلى تعزيز مكانة اللّغة العربيّة وتشجيع العاملين على نهضتها.

وهي من المبادرات الكبيرة التي يطلقها سموه في مختلف المجالات، وقد كان صائباً بل ملهماً حينما قال: «اللغة العربية بحاجة إلى مبادرات أكثر من المحاضرات»، لأن المبادرات هي التي تحيي هذه اللغة العظيمة، لغة القرآن الكريم، ولغة العلوم والمعارف الجُلَّى التي أفاضت على العالم معارف يعيش العالم اليوم في ضوئها وخيرها، وقد كان أول المبادرين لتطويرها فضلاً عن حمايتها بمشروعه الضخم الذي أعلن عنه هذا العام، وقال عنه: «بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية نطلق منهجاً دراسياً متكاملاً للغة العربية، عبر موقع مدرسة يضم 1000 فيديو تعليمي لكل المراحل الدراسية، موقع مدرسة الأكبر عربياً للتعليم الإلكتروني، واستفاد منه 60 مليون طالب خلال عام واحد». مدرسة متكاملة متطورة بتطور التقنيات وتطور العلم، حتى يكون هذا الإسهام متاحاً لكل أحد في المشارق والمغارب، وهذا هو الهم الكبير الذي يحمله ابن اللغة العربية، نظماً ونثراً ومجداً وذكراً. إن اللغة العربية تشكو عقوق أبنائها الذين تناسوا ماضيها العريق الذي أضاء المعارف الكبرى، كما قال سموه حفظه الله: «لو تمعَّنا في تاريخ كتب العلوم والرياضيات والطب وغيرها، لوجدنا الكثير منها قد تمت كتابته باللغة العربية، ثم تمت ترجمته إلى اللغات الأخرى.. ولوجدنا الكثير من المصطلحات العربية مازالت تستخدم في الكتب العلمية الأجنبية»، مؤكداً سموه أن مرونة اللغة العربية وقابليتها لاحتواء العلوم ليست اجتهاداً، بل أمر تم توثيقه تاريخياً».

هذه هي لغتكم أيها الناس لو أردتم أن تفاخروا بها العالم لكان الفوز حليفكم، إنها لغة القرآن الكريم الكتاب الخالد الذي نزل بلسانٍ عربي مبين، وهو المعجزة الخالدة المتجددة لنبيكم الكريم، عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم، وهو سر بقاء هذه اللغة التي لا تزيدها الأيام والسنون إلا جِدة وبقاء ومفاخرة، بخلاف اللغات الأخرى التي تتطور بنسخ القديم منها في كل قرن من الزمن تقريباً، بينما هذه اللغة هي اليوم كما كانت قبل آلاف السنين، لم يزد منها حرف ولم ينقص، ولم يتغير مدلول كلمة منها بتغير السنين والأيام.

وهي مع ذلك كثيرة المباني غائرة المعاني، تقتضي من المرء أن يعيش معها طول عمره وهو لم يصل إلى منتهاها، كما قال الإمام الشافعي، رحمه الله تعالى، في رسالته: «ولسان العرب أوسع الألسنة مذهباً، وأكثرها ألفاظاً، ولا نعلمه يحيط بجميع علومها إنسان غير نبي»، فقد روي عنه أنه أقام على تعلم العربية وأيام الناس عشرين سنة، وقال: «ما أردت بهذا إلا الاستعانة على الفقه»، وهذا شاهد عدل من أوسط العرب حسباً ونسباً، يفيد بأسرار هذه اللغة العظيمة، قال ذلك عن خبرة كاملة، وهو حجة فيها، وكفى به شهيداً، إذ الحال كما قال المتنبي: لا يعرف الشوق إلا من يكابِدُه ولا الصبابةَ إلا من يعانيها، ذلك لأنها لغة واسعة كلما تبحّر المرء فيها يجد نفسه أنه لايزال في لُجِّها، ولم يصل إلى الساحل، فلذلك ينبغي للناس أجمعين، والمسلمين على الأخص والعرب على أخص الخصوص، أن تكون اللغة العربية مقصودهم فيعرفوا قواعدها وفقهها وعلومها من صرف وبيان، ومعانٍ وبديع وعروض، واشتقاق وإنشاء وخط.. حتى يجدوا فيها مبتغاهم المعرفي والأدبي والذوقي، فهي كما قال شاعر النيل حافظ - رحمه الله - أنا البحرُ في أحشائه الدُّرُّ كامنٌ.. فهل ساءلوا الغواص عن صدَفَاتي.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

 

تويتر