5 دقائق

هيكيكوموري

الدكتور علاء جراد

ما أطول مدة قضيتها في البيت اختيارياً؟ أي قرّرت ألا تخرج لأي سبب وعشت في البيت تماماً لا تطأ قدمك عتبة البيت، سألت 14 من أصدقائي وراوحت الإجابة ما بين 9 ساعات وشهر، فما هي أقصى مدة تعتقد أنه يمكنك أن تقضيها في البيت اختيارياً؟ ماذا لو أخبرتك أن هناك أكثر من مليون شخص في دولة واحدة لم يخرجوا من البيت لمدة أكثر من ستة أشهر، بل البعض لم يخرج من البيت لسنوات عدة وصلت إلى 30 عاماً!

- أكثر من مليون شخص

في دولة واحدة لم

يخرجوا من البيت لمدة

أكثر من ستة أشهر.

لقد صدمتني تلك الأرقام، ولم أتخيّل أنه يمكن لشخص أن يختار بمحض إرادته سجن نفسه بهذا الشكل، خصوصاً أن من ضمن هؤلاء 541 ألفاً في الفئة العمرية 15 إلى 39 عاماً، تخيّل شباباً في مقتبل الحياة يختارون الانسحاب من العالم لما يزيد على ستة أشهر داخل المنزل، كيف تكون حياتهم ولماذا؟ بدأت هذه الظاهرة الصادمة والمحزنة عام 1990 في اليابان -أو كما يطلق عليها البعض «كوكب اليابان»- وتفاقمت في غضون 10 سنوات حيث الأزمة الاقتصادية التي جعلت فئة من الناس تنزوي في بيوتها وتنسحب من الحياة الاجتماعية. هذه الظاهرة تمت دراستها ومحاولة الوقوف على أسبابها واطلق عليها اسم «هيكيكوموري» أو Hikikomori وتعني الانسحاب الاجتماعي، وقد حظيت بالاهتمام بعد أن حدثت بعض جرائم القتل وكان وراءها أشخاص تم تصنيفهم بأنهم «هيكيكوموري». لم يعرف بعد الأسباب العلمية التي تقود الناس للتصرف هكذا، ولكن وزارة الصحة تعمل جاهدة على تحليل المشكلة والوصول لعلاجها.

إن الثقافة اليابانية تعزّز ثقافة الالتزام وتهتم كثيراً بالتعليم والتحصيل العلمي، وربما شكل ذلك أحد العوامل في ذلك الانسحاب لدى بعض الأشخاص حيث لم تعد لديهم القوة على مواجهة المجتمع، كما أن التكنولوجيا جعلت الانسحاب من الحياة الاجتماعية ممكناً حيث يمكن أن يطلب الشخص مستلزماته كافة وهو في المنزل ويظل على تواصل مع الآخرين، ولكن الكلفة الاجتماعية والاقتصادية باهظة على ذوي هؤلاء الهيكيكوموري، فهم يشكلون عبئاً مالياً على ذويهم وعلى الحكومة أيضاً ويحتاجون إلى رعاية ومعاملة، خصوصاً من أجل إخراجهم من هذه الحالة وإعادة دمجهم في المجتمع. لا يبدو أن العالم العربي لديه ظاهرة مماثلة ولكن من يدري، هل نتعلم من تلك المأساة ونطبق مبدأ الوقاية خير من العلاج؟

تحرص وسائل الإعلام اليابانية على نشر الوعي حول هذا الموضوع، خصوصاً مجلة اليابان The Nippon Times، التي أتقدم لها بالشكر لتزويدي بهذه المعلومات القيمة والمهمة، ويمكن الاطلاع على المزيد من خلال موقع المجلة.

Alaa_Garad@

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر